كثيرا ما كنت أقول إن المجهود الذى يبذله الواحد فى الشر هو ذاته الذى يبذله فى الخير، لكن نفسه الأمارة بالسوء هى من تدفعه إلى الموبقات وتزينها له، ليقعد بعدها ملوما محسورا، يعد الخيبات معرضا للانتكاسات والعقوبات، مصحوبا بتأنيب الضمير، متبوعا بالخوف والتوجس من كل شىء وأى شىء، تاجر المخدرات يبذل نفس المجهود الذى يبذله تاجر الأقمشة مثلا، لكن الأول يعيش محاربا مطاردا ملوما، بينما يعيش الثانى فى راحة ورغد واطمئنان، يتعرض تاجر المخدرات لتقلبات السوق مثلما يتعرض الآخرون، يتأثر بالكساد الاقتصادى مثلما يتأثر الآخرون، يتأثر بوجود أصناف منافسة مثلما يتأثر الآخرون، يستيقظ مبكرا وينام متأخرا مثل الآخرون، يدبر من أمواله وعرقه «الحرام» ليشترى موتوسيكل أو سيارة لينقل بها بضاعته مثلما يفعل الآخرون، يتعرض لمكر العملاء ومكر العاملين معه ومكر المدبرين له مثلما يتعرض الآخرون، غير أن سرعة انهياره تكون أكبر مما يتخيل أحد، وحينما يسقط لا يجد يدا ترفعه ولا عينا تترفق به ولا قلبا يستوعبه، لا شىء سوى اللعنات من كل مكان مصوبة بالتشفى.
من أجل هذا كله كانت سعادتى كبيرة بتصريح أحمد صالح، رئيس مجلس إدارة جمعية النباتات الطبية بكاترين الذى قال فى التقرير الرائع الذى كتبه الزميلان محمد حسين ومحمد سالمان فى «اليوم السابع» بعنوان: «سيناء المسيرة لم تنته الحلقة الثانية»: إن زراعة «المريمية» تحقق أرباحا أكبر من زراعة البانجو، وأنه نجح بالفعل فى إقناع عدد من الأشخاص الذين كانوا يزرعون مخدرات فى التحول إلى زراعة النباتات الطبية، وتحقيق مكاسب شرعية، ليحظوا باحترام أسرهم ومن حولهم، ولكى لا يظن أحد أن الرجل يكذب أو يجمل الواقع ضرب مثالا حيا على هذا الأمر، حيث قال: إن كيس المريمية يباع بـ15 جنيهًا، والكيلو الواحد منه ينتج 30 كيسا، أى 450 جنيها، بينما سعر كيلو البانجو قد لا يتجاوز الـ200 جنيه، وقد سلط «اليوم السابع» فى هذا التقرير الضوء على مجهودات أبناء سيناء الطيبة لعبور أزمة نقص السياحة أو ضعف الإمكانيات، وفى الحقيقية فإن تجربة زراعة النباتات الطبية فى سيناء تجربة جديرة بالدعم والاحتفاء، فبمثل هذه المشروعات يعاد تشكيل النشاط العمرانى فى المنطقة، ويعاد تشكيل الشخصية الإنسانية، ويتم استغلال طاقات المنطقة المكبوتة وتفجير إمكانياتها الخرساء، ناهيك عن الأهمية القصوى فى محاربة الآفات الهدامة التى تدمر العقول، سواء كانت مخدرات أو تطرف.
نشر هذا المقال فى 29 مايو 2017 وأعيد نشره تشجيعا لهذا التوجه، مناشدا حكومة الدكتور مصطفى مدبولى تبنيه وتفعيله.