كيف وصلت كرواتيا وبلجيكا إلى عصر النهضة الكروى ونصف نهائى مونديال روسيا؟ كرواتيا الدولة الوليدة التى يقل عمرها عن أعمار معظم لاعبى منتخبنا الوطنى، ولا يزيد تعداد سكانها عن أربعة ونصف مليون نسمة، يسكن أكثر منهم فى حى مزدحم مثل دار السلام بالقاهرة، كيف حققت ما حققت فى هذا المونديال الذى خرجنا من دوره الأول مكللين بالمهانة والفضائح، ولولا بنما لحللنا فى المركز الأخير بين الـ32 منتخبًا المشاركين ولطالنا العار للأبد.
وبلجيكا الصغيرة، أيقونة الاتحاد الأوروبى التى لا تزيد مساحتها عن 11 ألف ميل مربع، وتعداد سكانها عن 11 مليون نسمة، والتى فزنا عليها بنتائج ثقيلة خلال الثلاث لقاءات قبل المواجهة الأخيرة، كيف وصلت إلى ما وصلت إليه من تقدم كروى وازدهار تخطيطى وطفرة فى المهارات واللاعبين النجوم من الطراز الرفيع، مثل هازارد ودى بروين ولوكاكو وفلايينى وميشى باتشواى وديبو كوتوا الحارس العملاق؟
هل هبطت الكائنات الفضائية على أراضى كرواتيا بعد أن نالت استقلالها عام 1991، وخططت لهذه النهضة الكروية بالإخلاص والعلم والعمل الجاد؟ هل مودريتش ورفاقه ينتمون إلى كوكب آخر مثلا؟ أم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، سواء كان فى بلادنا المسلمة أو فى كرواتيا الصرب الأرثوذوكس أو فى بلاد الواق الواق؟
ولماذا نجحت بلجيكا بالتخطيط لجيل عملاق لمدة 15 عامًا بالعمل الدءوب على انتقاء المواهب الكبيرة فى المراحل السنية المبكرة ورعايتها صحيًا وتعليميًا وغذائيًا ومهاريًا، ومتابعتها كمنتخب متماسك حتى استطاع أن ينافس أعرق منتخبات العالم وأن يزين نجومه أكبر الأندية فى أوروبا؟
كرواتيا وبلجيكا الصغيرتان نجحتا إذن، بالعلم والتخطيط فيما فشلنا فيه نحن الأعرق والأكبر والأكثر تعدادًا بالفهلوة وسوء التخطيط والسمسرة وتغليب المصالح الشخصية! فهل فكرنا فى الدرس الذى تقدمه لنا الدولتان الصغيرتان؟ وهل تملكتنا الغيرة من نجاحهما الساحق، فقررنا أن نتبنى منهج العلم فى التخطيط لعشرين سنة قادمة، وإنشاء مدارس للموهوبين فى منتخبات الناشئين بعيدًا عن الواسطة وابن فلان وجاى من طرف علان؟ وهل وقفنا لحظة لنعرف أننا فاشلون وسيئون وعاجزون عن التخطيط أو التفكير فاعتمدنا الآية الشريفة من سورة الرعد «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» شعارا لنا، وقررنا أن نتغير إلى الأفضل فى الإدارة والرؤية والتخطيط؟
حتى الآن، نحن مازلنا على ما نحن عليه من لامبالاة وتواكل واستمراء العجز والفشل والعمى، وعدم الاتجاه إلى أهل الخبرة الحقيقيين ليقولوا لنا ماذا نفعل فيما هو قادم من مسابقات ومنافسات، وكيف نبنى أجيالا من اللاعبين الموهوبين يرفعون علم بلادهم فى المحافل الدولية، بل مازلنا نحصر الأمر فى تغيير الخواجة بخواجة مع بقاء سائر عناصر المنظومة على ما هى عليه، وحتى لو نجحنا فى التعاقد مع جوارديولا أو سكولارى أو سبيشيال وان، سرعان ما يتحول كل منهم بافتراض قبوله المهمة إلى كوبر جديد لا يهمه إلا الحصول على عقده، وإذا سألته الصحف الأجنبية عن اللاعبين المصريين سيقول فيهم ما قاله مالك فى الخمر!
متى سنعرف ونفهم أن التغيير للأفضل لابد وأن يشمل الإدارة؟ ومتى سنقدم المصلحة العامة على المصالح الشخصية؟ وتحت أى ظرف سنعمل من أجل خدمة علم بلدنا وحده والأرزاق على الله؟ ولله الأمر من قبل ومن بعد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة