بإعلان نتائج الثانوية العامة تنتهى مرحلة من آلام ومعاناة ملايين من التلاميذ وأولياء الأمور، وتبدأ مرحلة جديدة، تنتهى آلام الدروس الخصوصية والامتحانات وجرى الطلاب طوال العام بين مراكز الدروس الخصوصية.
المعاناة ليست فقط للتلاميذ، لكنها فى الأصل للآباء والأمهات، السهر والمتابعة والانتظار، مع ما يرافق ذلك من معاناة مادية تستنزف ميزانية ضخمة من الأسرة، و ترهق أى موازنة عائلية.الدروس الخصوصية أصبحت مرضا مزمنا، وعد كل وزير للتعليم طوال ثلاثين عاما بإنهائه، ومع كل وعد كانت الدروس تتضاعف وتنتشر، ومعها آثار جانبية مختلفة تتشعب فى كل اتجاه، ومع كل وعد بمواجهة الدروس كانت تنتشر فى المجتمع وتحولت إلى أمر يبدو مستعصيًا على الحل، بل إن هناك وزراء تعليم اعترف بعضهم بأن أبناءهم يحصلون على دروس خصوصية، وكانت هذه من مفارقات واقع مزدوج.
ولا يمكن توقع أى إصلاح للنظام التعليمى من دون القضاء على الدروس الخصوصية، وهذا لن يتحقق من دون تغيير الوضع الحالى الذى يجعل الامتحانات غاية التعليم، وليست مجرد وسيلة لاختبار مدى تحصيل التلميذ للمناهج. ثم إن الدروس الخصوصية نفسها تكشف عن وهم تعليمى، لأن التلاميذ يقولون إنهم لا يفهمون الدروس بسبب وجود 30 أو 40 تلميذا، بينما بعض قاعات الدروس الخصوصية تجمع مئات التلاميذ.
هناك رهان على أن يكون مشروع وزير التعليم الدكتور طارق شوقى لإصلاح التعليم قابلا للتطبيق، وقادرا على تغيير النظام الحالى للتعليم، والانتقال من نظام الامتحانات إلى التحصيل والفهم والتفكير، وأن ينعكس ذلك على التعليم العالى لتكون هناك أجيال قادرة على قيادة المستقبل فعلا وليس نظريا فقط، خاصة أن توفير مليارات الدروس الخصوصية يمكن أن توفر من موازنة الأسرة وتمول تعليما حقيقيا ينعكس فى تحسين رواتب المعلمين.
وهنا تأتى المرحلة التالية من آلام الثانوية العامة، التلميذ وأهله يجرون طوال العام وينفقون على الدروس الخصوصية بحثا عن مجموع، لتبدأ مرحلة أخرى فى البحث عن مكان فى الجامعات العامة، من خلال مكتب التنسيق، لتبدأ مرحلة الحصول على مؤهل يصلح لسوق العمل ويوفر عملا فى سوق هو الآخر متشعب ويحتاج إلى خبرات لا توفرها عادة الدراسة الجامعية القائمة، وهو ما يتطلب تغييرا آخر فى نظام التعليم الجامعى بالشكل الذى يناسب سوق العمل ويوفر تكافؤ الفرص أمام الخريجين.
الأمر بالفعل معقد، وفيه الكثير من التفاصيل، لأنه نتاج تراكمات وإهمال على مدى عقود متتالية أطاحت بالتعليم الأساسى ثم العالى، حيث لا مكان للبحث العلمى ولا دراسة تنتج خريجا قادرا على التفكير والاختيار.
هذا الحال يشير إلى أنه بالرغم من وضع الثانوية العامة فى مركز الطموح، فإنها فقط مجرد ممر عشوائى إلى عالم عشوائى لا يقود إلى كفاءات ومهارات تفيد المجتمع والمواطن.
واقع صعب، لكنه ليس مستحيلا.. ومن هنا تبرز أهمية وجود نظام جديد للتعليم الأساسى ينهى أسطورة الثانوية العامة كمركز للطموح، ويغير تعليما جامعيا يضخ خريجين عاطلين فى سوق العمل.
ربما يكون إنهاء آلام الثانوية العامة، هو بداية الخروج من واقع تعليمى شكلى إلى حقيقة تقود إلى مستقبل أفضل.