إذا كان تقدم الدول يقاس بمستويات التعليم والصحة، فإن الالتحاق بالدول الحديثة يتطلب وجود نظام صحى وعلاجى حقيقى، يساوى بين المواطنين.. سنوات وعقود تأخرنا عن إنجاز قانون للتأمين الصحى الشامل، وكانت الحجج طوال عقود هى نقص التمويل وعدم جاهزية المؤسسات الصحية، والنتيجة تأخر نظام العلاج وحرمان ملايين المصريين من حقهم فى تلقى العلاج، وظلت هناك طرق وتفريعات للعلاج على نفقة الدولة، وتعدد أنظمة العلاج بين عام ومؤسسة علاجية وتعاونى وخاص واقتصادى، وكلها ظلت عاجزة عن تلبية احتياجات المواطنين. اليوم بدأت الخطوات العملية لتطبيق نظام تأمين صحى شامل يضع تحت مظلته 100 مليون مواطن. بدأ الأمر بإقرار القانون الجديد والذى يتيح سبيلا للتمويل بشكل كبير، ويبدأ تطبيقه فى مدن القناة، لينتشر إلى باقى المحافظات.
ولم يكن من الممكن البدء فى تطبيق نظام للتأمين الصحى ما لم تتوفر التمويلات اللازمة والتى تم توفير جزء منها من وفر الإصلاح الاقتصادى، حيث تم تخصيص أكثر من 18 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة للصحة. وكان النجاح فى علاج ملايين المرضى من فيروس سى إشارة لإمكانية حل معضلة الصحة.
هناك صعوبات ولاشك فى انتشال القطاع الصحى من المشكلات التى تحاصره، بسبب تراكمات عهود متتالية ظل فيها قطاع الصحة مهملا أو يقوم على الترقيع والحلول الموضعية، لكن القانون الجديد للتأمين الصحى يمثل أول اقتحام حقيقى لهذا القطاع، وبداية لتوفير رعاية صحية لكل مواطن على قدم المساواة. بعيدا عن الوضع الحالى الذى يحصل فيه القادرون والأثرياء فقط على العلاج بينما يعجز الفقراء والطبقة الوسطى عن تلقى العلاج الباهظ التكاليف.
القانون الجديد يوفر اشتراكات لغير القادرين الذين يمثلون %35 من المصريين ويتكلف تطبيق المشروع فى بورسعيد فقط 1.8 مليار جنيه مع الاتجاه لتشكيل مجالس إدارات الهيئات الثلاث التى ستتولى تطبيق المشروع وهى: هيئة التأمين الصحى، وهيئة الرعاية الصحية وتتبعان رئيس الوزراء والثالثة هيئة للرقابة والمتابعة وتتبع رئاسة الجمهورية. وبهذا يتم فصل الخدمة عن التمويل عن الاشتراكات عن الرقابة، الأمر الذى يوفر درجة كبيرة من الدقة ويتحاشى الأخطاء التى تراكمت فى النظام السابق للتأمين الصحى.
وتتبنى الهيئات الثلاث أعلى معايير الجودة مع إنشاء نظم للعمل والحوكمة، وتسبقها عمليات رفع كفاءة المستشفيات والوحدات والمراكز الصحية، وتقديم الخدمات إلكترونيا منعًا للتلاعب وتزوير التقارير الطبية ولتوثيق جميع الحالات المرضية.
كل هذه الخطوات تشير إلى الجدية فى تطبيق نظام صحى يليق بالمواطنين، وهناك حاجة لأن تسعى وزارة الصحة للعمل فى إطار الوضع الحالى لتوفير خدمة صحية حقيقية للمواطنين، خاصة فى المحافظات التى تنتظر سنوات لبدء تطبيق التأمين الصحى الشامل، لأن المواطن يمكنه الاختيار بين أطعمة وملابس، لكنه ليس لديه خيار فى العلاج.