إذا كان تطبيق التأمين الصحى الشامل تأخر من عقود، فإن الانتهاء من قانون التأمين الصحى يعتبر خطوة مهمة نحو بناء نظام علاج إنسانى يشمل كل المواطنين وليس القادرين فقط.
لاشك أن البدء فى تطبيق التأمين الصحى الشامل فى بورسعيد ومدن القناة أولا يرجع إلى أن هذه المحافظات تضم أعدادا أقل من غيرها، وغالبا ما تكون القناة هى المدن التجريبية لأى نظام جديد، وتتوالى المحافظات المختلفة حتى يكتمل المشروع وتمتد مظلة التأمين الصحى إلى كل المحافظات، ولا شك أن الجدول الزمنى لتطبيق التأمين الصحى يطول بالنسبة لبعض المحافظات ليصل إلى عشر سنوات وربما أكثر. وهى مدة طويلة نسبيا وتحتاج إلى استعدادات وسياسات صحية من قبل الوزارة لضمان وجود حد معقول لعلاج المواطنين فى المحافظات التى تنتظر التطبيق بعد سنوات طويلة.
ويمثل إقرار قانون التأمين الصحى الشامل مقدمة مهمة تأخرت كثيرا، خاصة أن قانون التأمين الصحى الحالى لم يعد يصلح، وهو ملىء بالثغرات ونقاط الإهدار، فضلا عن أنه يطبق فقط على الموظفين أو المهنيين العاملين بالحكومة وما حولها، وبالتالى فهو لا يشمل سوى نسبة أقل من واحد على عشرة من عدد السكان فى مصر، بينما تحرم فئات غير قادرة من العلاج، وتنتظر قرارات على نفقة الدولة بالواسطة أو مصادفة يمكن أن تساعد المواطن على العلاج.
وأهم ما فى القانون هو وجود ثلاث دوائر أو هيئات تتولى جوانب تنفيذ قانون التأمين الصحى الشامل، جهتان تتبعان مجلس الوزراء، وجهة تتبع رئاسة الجمهورية، وتتولى الرقابة ومتابعة الجودة، وهذا الفصل بين الإدارة والتمويل والرقابة يمثل نقطة متقدمة تمنع الإهدار وتسهل العمل بشرط أن تعمل هذه الجهات بشكل متصل ومنفصل فى الوقت نفسه حتى لا يتداخل عملها أو تتواطأ على حساب المريض.
ثم إن الحديث عن تطوير المستشفيات والمؤسسات الصحية لا يفترض أن يقوم على الكم، وإنما على تطوير فعلى ليس للمبانى فقط ولكن للهيئات الطبية من أطباء وتمريض ودواء، وتحتاج المؤسسات الطبية من مستشفيات مركزية وعامة إلى إعادة بناء لنظام عملها، وتغيير للقوانين التى تحكمها، وضمان تفرغ الأطباء والتمريض بمقابل مجز مع تطبيق نظام للمتابعة والرقابة لضمان الجودة ومصالح المريض، وبقدر ما تمثل الإمكانات المالية عنصرا مهما يتعلق بالتمويل، لكن المتابع يعرف أن الإهدار وسوء الإدارة يتسببان فى تسرب الميزانية الصغيرة أساسا فى زوايا مظلمة.
يفترض أن تتولى وزارة الصحة عملية إعادة بناء المؤسسات الطبية بشكل يضمن قدرتها على تقديم خدمة طبية مناسبة، وليس كما هى الآن، تبدو دائما خارج نطاق الخدمة.
مع الأخذ فى الاعتبار أهمية دراسة موقع المستشفيات الجامعية والخاصة فى منظومة التأمين الصحى حتى لا تتحول عملية التطبيق إلى شكل من غير مضمون.
وإذا كان إقرار قانون التأمين الصحى خطوة مهمة تأخرت طويلا فإن تطوير المستشفيات والمؤسسات الصحية لا يقل أهمية عن إقرار القانون، وهو دور وزارة الصحة ضمن أدوار أخرى تتطلبها عمليات الدخول إلى عالم التأمين الصحى، وهو دور مزدوج، أوله تطوير الخدمات المقدمة للمرضى فى غير المحافظات التى تنتظر التأمين الصحى، والثانى هو الاستعداد لتطبيق القانون والإسراع فى تجهيز البنية الصحية المناسبة، والتى تمثل أهمية كبرى لتطبيق حقيقى وفاعل لنظام التأمين الصحى الشامل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة