ما إن يتم ذكر حفر قناة السويس، حتى يأتى على بال البعض الحديث عن السخرة التى تعرض لها العمال فى شق هذا الممر المائى العظيم، الذى أعد ليكون واحدا من أهم الممرات المائية فى العالم، ولا يزال كذلك.
وتمر اليوم الذكرى الـ162، على بدء حفر قناة السويس تحت إشراف المهندس الفرنسى فرديناند دى لسبس، لتكون ممرا يسمح بمرور السفن من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر، وفى هذه الذكرى نحاول أن نسلط الضوء على العمل بالسخرة فى القناة، وكيف كانت أحوال العمال المصريين العاملين فى حفر برزخ السويس.
وبحسب "كتاب السخرة فى حفر قناة السويس" للدكتور عبد العزيز محمد الشناوى، فإن المصريين عانوا أشد المعاناة من نظام السخرة التى وضعه ديلسبس من أجل الانتهاء من حفر القناة، مستغلا ضعف سعيد باشا والى مصر آنذاك، وإقناعه بتنفيذ أهوائه بحجة تحسين صورته أمام فرنسا.
ويكشف الكتاب وضع العمل فى هذه المنطقة، والتى قامت على أساس التبديل الشهرى، بحيث يعمل مجموعة من العمال فى الحفر لمدة شهر، على أن يستبدلوا بآخرين فى الشهر الجديد، وهكذا، ويقول الكاتب عن ذلك: ترتب على هذا التغيير الشهرى للعمال عدة نتائج أثرت تأثيرا عميقا على الحياة المصرية، وكان من بينها أن ارتفع عدد العمال الذين يتغيبون عن حقولهم إلى ستين ألفا كل شهر، لأنه بينما يكون عشرون ألفا قائمين بالعمل فى ساحات الحفر يكون مثل هذا العدد من العمال فى طريق عودتهم إلى قراهم، وعشرون ألف رجل آخرون فى طريقهم من بلادهم إلى منطقة القناة، أى بمعدل 720 ألف مصرى فى العام فى الوقت الذى لم يتجاوز فيه عدد سكان مصر حينها خمسة ملايين نسمة.
ويتضح من الكتاب حجم الطمع والإسراف فى استخدام عمال السخرة من ديلسبس، على مرأى ومسمع من سعيد باشا، الذى كان يوافق على زيادة العمال، ففى البداية كان العمال يصلون إلى 7 آلاف زادت إلى عشرة، وفى يناير 1862 زادوا إلى 16.500 رجل، زادوا فى الشهور التى تبعت ذلك إلى حوالى 20 ألف، ومن كثرة إخلال ديلسبس فى تعهده وزيادة على ضعف الوالى، تقدم بمذكره جديدة يطالب سعيد بإرسال 40 ألف عامل بطريقة مستمرة اعتبارا من نوفمبر من نفس العام، واستطاع أن ينجز ديلسبس أجزاء كبيرة من مشروعه بفضل صديقه سعيد، والذى مات فى نوفمبر 1862، وما لبث أن تولى إسماعيل حكم مصر مطلع عام 1863، واحتدم النزاع حول تخفيض عمال السخرة ثم إلغاء ذلك النظام.
يبقى أن نشير إلى إنه بخلاف تفشى الأمراض والأوبئة التى أودت بحياة العديد من العمال والفلاحين بسبب بيئة العمل فى هذه المنطقة الصحراوية، كانت المرتبات متدنية للغاية فيوضح الكتاب أن متوسط أجر الفلاح يصل 57.5 قرش إذا عمل شهرا كاملا فى ترعة المياه العذبة، وأما حفر القناة طوال شهر فكان يصل إلى 50 قرشا، بينما اللائحة حددت أربعة قروش الأجر اليومى للعامل، وما يزيد فداحة الظلم أنه لم يكن على العمال أن يدبر من ذلك الأجر طعامهم فقد بل يدفعون منه لتوفير نفقات طعام مندوبى الحكومة المصرية والحراس وغيرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة