القمة المرتقبة التى تجمع بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ونظيره الروسى فلاديمير بوتين، تأتى فى توقيت غاية فى الحساسية، فى ظل حالة من الانقسام تضرب المعسكر الغربى الذى قادته الولايات المتحدة الأمريكية لعقود طويلة، سواء بسبب الخلافات حول العديد من القضايا الدولية وعلى رأسها الأزمة الإيرانية، وكذلك الحرب التجارية التى شنتها إدارة ترامب على حلفائه الغربيين على خلفية قراره بفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة على تأثير حالة الانقسام الغربى الراهنة، على القمة المرتقبة فى العاصمة الفنلندية هلسنكى.
ربما يبدو للعديد من المتابعين أن العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة يشوبها قدر من التوتر، فى ظل العديد من التصريحات النارية من هنا أو هناك، خاصة من قبل الرئيس ترامب، والذى استخدام حسابه على موقع التواصل الاجتماعى "تويتر" كمنصة للهجوم على روسيا مرات عديدة خلال الأشهر الماضية، وهو ما دفع المسئولين الروسيين للرد على تلك التصريحات سواء بالسخرية تارة أو بالانتقاد الصريح تارة أخرى، بالإضافة إلى الخلافات الكبيرة بين الجانبين حول العديد من القضايا على المستوى الدولى، سواء على الساحة السورية أو الإيرانية، بالإضافة إلى مسألة التسليح النووى.
قمة ترامب بوتين.. هل تفتح صفحة جديدة بين البلدين؟
إن انعقاد القمة بين ترامب وبوتين فى هلسنكى ربما يضع العديد من علامات الاستفهام حول ما إذا كانت ستفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، فى ظل ما أثير حول الخلاف التام بين الجانبين تجاه العديد من القضايا، حتى كاد أن يتحول إلى صراع مباشر فى سوريا، عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بشن هجوم عسكرى، بمشاركة بريطانيا وفرنسا، على مواقع تابعة للنظام السورى، فى أبريل الماضى، على خلفية استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيمائية، وهو الأمر الذى نفته روسيا تماما.
ووصل التوتر إلى ذروته، مع تهديد ترامب الصريح لموسكو عبر حسابه على "تويتر"، بقوله: "روسيا تتعهد بإسقاط أى صاروخ يطلق على سوريا.. استعدى يا روسيا فالصواريخ قادمة.. صواريخ لطيفة وجديدة وذكية"، معترفا فى الوقت نفسه بأن العلاقات بين واشنطن وموسكو فى أسوأ حالاتها.
تغريدة ترامب
تغريدة ترامب أثارت امتعاضا روسيا تجلى فى رد المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا رخاروفا عليها عبر حسابها على "فيس بوك"، حيث قالت "الصوارخ الذكية يجب أن توجه للإرهابيين وليس للحكومة الشرعية التى تقاتل الإرهاب الدولى على أراضيها منذ سنوات عدة."
"الشو الأمريكى".. الصراع مع روسيا "مجرد كلام"
رغم حالة التلاسن الإليكترونى بين البلدين، والتى دفعت قطاع كبير من المحللين للتنبؤ بأن سوريا ستكون ساحة لمعركة دولية كبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا، لم تكن الهجمات التى شنتها الولايات المتحدة وحلفائها على سوريا على مستوى التوقعات، حيث استهدفت بعض المواقع التابعة للنظام السورى، دون قتلى أو إصابات، لتتحول حملة الدعاية التى أطلقت ترامب فى مرحلة ما قبل الهجوم إلى مجرد "شو" إعلامى ربما يستهدف استرضاء الداخل الأمريكى والتخفيف من الضغوط الدولية المفروضة عليه حول القضية السورية.
ولكن بقت حرب التصريحات مستمرة، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو فى الأحاديث الصحفية بين روسيا والولايات المتحدة، وهو الأمر الذى يفسر طبيعة الحقبة الراهنة التى اقتصر فيها الصراع على التصريحات، ولعل آخرها ما قاله ترامب، قبيل ساعات من انطلاق القمة التى من المقرر أن تجمعه مع بوتين حول توتر العلاقات مع موسكو، حيث وصف الحقبة الراهنة بأنها "الأسوأ" فى تاريخ العلاقات بين البلدين، ولكنه فى الوقت نفسه حاول التخفيف من كلماته بإلقاء اللوم على ما أسماه حماقة الإدارات الأمريكية السابقة وكذلك التحقيقات التى تجريها السلطات الأمريكية حول التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، والتى جاءت به إلى البيت الأبيض.
"السلام الساخن".. دبلوماسية ترامب لاحتواء الخصوم
المعطيات التى تسبق القمة الأمريكية الروسية، المقررة اليوم الإثنين، والتى يمكن تسميتها بحالة "السلام الساخن"، ربما تتشابه إلى حد كبير مع النهج الذى سبق وأن تبناه الرئيس الأمريكى مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، حيث تحول فى علاقته مع بيونج يانج من حالة الحرب الباردة، عبر دعم خصومها عسكريا، والسعى نحو التهديد الصريح للنظام الحاكم، إلى مجرد حرب كلامية بين الزعيمين عبر "تويتر" تنتهى بقمة فى أرض محايدة تفتح الباب أمام صفحة جديدة من العلاقات.
يقول الكاتب ليونيد بيرشيدسكى، فى مقال سابق نُشر بوكالة "بلومبرج" الأمريكية، إن أهم ما يميز اللقاء المتوقع بين الرئيس الأمريكى ونظيره الروسى هو غياب أجندة محددة يمكن أن يتناولها الجانبين خلال محادثتهما، بينما سوف تقتصر النتائج على مجموعة من الاتفاقات غير الرسمية بين الجانبين وهو ما يمثل تكرارا لقمة سنغافورة التاريخية، التى عقدت بين الرئيس ترامب ونظيره الكورى الشمالى فى شهر يونيو الماضى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة