الفوز التاريخى لمنتخب فرنسا ببطولة كأس العالم لكرة القدم، فتح الباب أمام قطاع كبير من المتابعين للحديث عن فضل المهاجرين فى الإنجاز الرياضى الكبير، الذى تحقق مؤخرا، خاصة بعد الخلافات الكبيرة داخل أروقة الاتحاد الأوروبى التى نشبت حول السياسات الأوروبية حول الهجرة، بالتزامن مع صعود التيارات اليمينية، إلا أن الانتصار الرياضى الفرنسى ربما وضع أبعادا أخرى للقضية، خاصة وأن الإنجاز تحقق بفريق ذو أغلبية مهاجرة قادمة من أفريقيا.
ففى الوقت الذى ربما يستخدم فيه الإنجاز الذى حققته فرنسا فى المونديال لدعم رؤية التيارات الليبرالية فى أوروبا، والتى تقوم على حماية اللاجئين والمهاجرين الهاربين من مناطق الصراع فى مناطق مختلفة حول العالم، لنصرة الإنسانية والمبادئ الحقوقية، ربما يستخدمه أخرين، وعلى رأسهم نظام الحمدين الحاكم فى قطر، لشرعنة السياسات القائمة على إيواء الإرهابيين، وربما سرقة الإنجازات التى تستحقها دول أخرى من خلال تجنيس اللاعبين من ذوى الجنسيات الأخرى أصحاب الكفاءات لتمثيلهم فى المحافل العالمية وخاصة الرياضة.
التدليس القطرى.. الخلط بين الهجرة والتجنيس
ولعل المقاربة بين الحالة الفرنسية ونظيرتها القطرية تمثل حلقة جديدة من التدليس التى حاول الإعلام القطرى الترويج لها، سواء عبر بعض وسائل الإعلام الموالية لهم، أو من خلال بعض النشطاء المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية، على اعتبار أن سياسات الانفتاح وقبول الأخر التى تبنتها الحكومة الفرنسية كانت السبب الرئيسى فى الإنجاز الرياضى، حملت فى طياتها تبريرا ضمنيا لسياسات التجنيس التى تتبناها الإمارة الخليجية فى سبيل تحقيق الإنجازات الرياضية.
اللاعب الفرنسى بول بوجبا يحمل كأس العالم
إلا أن الدعاية القطرية لم تبتعد عن محاولات الإمارة للخلط بين مصطلحى "الهجرة" و"التجنيس"، فلو نظرنا إلى لاعبى المنتخب الفرنسى نجد أن غالبيتهم إما ولدوا فى فرنسا من عائلات ليسوا من ذوى الأصول الفرنسية، أو دخلوا الأراضى الفرنسية فى سن صغيرة للغاية، وبالتالى كان الحصول على صفة المواطن هناك أمرا طبيعيا طبقا للإجراءات والقوانين المطبقة.
أما الحالة القطرية، فالأمر يبدو مختلفا تماما، فالإمارة تعتمد على التجنيس طبقا لقوانين تم تفصيلها خصيصا لسرقة كوادر الدول الأخرى، من أجل تحقيق ما يمكننا تسميته بالانتصارات الزائفة، ليس فقط على المستوى الرياضى، ولكن على كافة المستويات الأخرى، وبالتالى ملء الشواغر لديها فى كل الوظائف التى يتسم بعضها بالحساسية المفرطة، ولعل أبرزها الجيش القطرى، والذى يمثل المجنسين أغلبية كبيرة داخله.
سوابق تاريخية.. مونديال اليد بالدوحة يفضح قطر
سياسة التجنيس التى تتبناها الإمارة الخليجية، على المستوى الرياضى أثارت حالة من القلق لدى قطاع كبير من المهتمين بهذا الشأن فى السنوات الماضية، خاصة بعد بطولة كأس العالم لكرة اليد، والتى أقيمت فى الدوحة عام 2015، والتى تمكنوا خلالها من الوصول إلى النهائى، والحصول على المركز الثانى بعد الهزيمة أمام فرنسا، بفضل المجنسين، من أصحاب الخبرة الكبيرة، الذين هيمنوا على القوام الرئيسى للفريق حينها.
منتخب قطر لكرة اليد خلال مونديال الدوحة 2015
ما فعلته قطر فى تلك البطولة دفع إلى مخاوف من التوجه إلى فعل الأمر نفسه وتجنيس لاعبين في كرة القدم من أجل تشكيل منتخب كرة قدم ينافس في نهائيات كأس العالم 2022، وهى البطولة التى تم اختيار الدوحة لاستضافتها، بينما تثور الشبهات حول تورط الإمارة فى دفع مبالغ طائلة كرشاوى للحصول على شرف تنظيمها، وهى الشبهات التى تهدد بمنع الإمارة من تنظيم الحدث العالمى، وفقا للعديد من التقارير التى نشرتها العديد من الصحف العالمية.
من جانبه، كان رئيس الاتحاد الدولى السابق، جوزيف بلاتر، قد حذر قطر من انتهاج سياسة التجنيس لتشكيل منتخب قوى ينافس فى المونديال المقبل، على غرار ما فعلت فى مونديال كرة اليد، مؤكدا أن سياسة التجنيس التى تتبناها الإمارة الخليجية قد تساهم فى تدمير اللعبة.
بين التجنيس والتسييس.. قطر تسعى لتجميل صورتها
إلا أن مخاطر السياسات الرياضية القطرية لا تقتصر على مجرد التجنيس، ولكنها تمتد إلى محاولات تسييس الرياضة من خلال هؤلاء اللاعبين، ومحاولة تحسين صورة الإمارة الخليجية أمام العالم وتوسيع نفوذها عبر بوابة الرياضة، وهو ما يفسر محاولات إعلام قطر وضع الإمارة فى نفس الكفة مع فرنسا، عند الحديث عن سياسات الهجرة وقبول الأخر.
لاعب التنس الإسرائيلى الذى شارك فى بطولة قطر المفتوحة للتنس
الإنجاز الفرنسى ليس الحدث الوحيد الذى حاولت قطر أن تستغله للترويج لسياساتها، فقد سبق وأن استخدمت الدوحة العديد من الأحداث الرياضية من أجل تحقيق الهدف نفسه، فقد سعت الإمارة إلى تنظيم بطولات دولية على أراضيها، واستضافت خلالها لاعبين إسرائيليين لاسترضاء الدولة العبرية من جانب، ولوضع نفسها فى صورة الواحة التى يلتقى على أرضها الجميع، فى محاولة صريحة لدحض الاتهامات التى تلاحقها بدعم الإرهاب، ولعل مشاركة لاعب التنس الإسرائيلى دودى سيلع فى بطولة قطر المفتوحة للتنس، والتى أقيمت فى الدوحة منذ عدة أشهر مثالا واضحا على محاولات "الحمدين" لاستخدام الرياضة لتحقيق أهداف سياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة