كتبت منذ أسابيع مقالا فى «اليوم السابع» تحت عنوان «طريق العائلة المقدسة مهمة دولية بقيادة مصرية»، وطالبت فيه بأن تعقد الحكومة والكنيسة المصرية مؤتمرا دوليا لدعم إصلاح مسار العائلة المقدسة بالاشتراك مع الفاتيكان واليونسكو ، وندعو إليه الدول التى تهتم سياحيا بالمسار، وأعتقد أن مصر سبق لها الاستعانة بالمجتمع الدولى فى إنقاذ معبد فيله أثناء بناء السد العالى 1960، وأعتقد أن رؤية الخبير السياحى إلهامى الزيات تكاد تعكس رغم صحتها عدم إدراك خبراء السياحة الكبار للسياحة الدينية، حيث قال فى تصريحات صحفية 19 مايو الماضى «إن رحلات الحج إلى مسار العائلة المقدسة «فقط» لن يكون لها أى مردود اقتصادى على الدولة حاليًا، وأن صرف أى مبالغ مالية على تجهيز كامل نقاط المسار سياحيا يعتبر نوعا من «إهدار المال العام»، حسب تعبيره، خصوصا أن برنامج رحلة مسار العائلة المقدسة داخل مصر لن يزوره أكثر من «100» سائح سنويًا».. وأوضح «الزيات» أن «السياح الدينيين أو الروحانيين باتت أعدادهم قليلة للغاية مقارنة بالسياح الذين يأتون من أجل السياحة الشاطئية أو الثقافية والأثرية».
جاء اهتمامى ذلك بعد طلب إحاطة للنائب مجدى ملك حول الأمر، وبناء على هذا الطلب استدعت لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب ممثلين لوزارات الثقافة والآثار والسياحة والتنمية المحلية والمالية، وقال النائب أسامة هيكل، رئيس اللجنة، فى اجتماعها «إن اللجنة لا تشعر بجدية الحكومة تجاه تسويق مسار العائلة المقدسة بالشكل المطلوب، ومن ثم توصى بتشكيل لجنة وزارية يرأسها رئيس الحكومة لوضع خطة زمنية فى هذا الصدد» .
كل ذلك دعانى للكتابة مرة أخرى عن ضرورة أخذ الأمر بجدية، وليس بالحماسة، ودعونا نكشف بشكل أولى عن ملامح السياحة الدينية المسيحية فى العالم والتى ترتبط بالمسيح والعذراء وكنائسهما أو ما يمس الإيمان المسيحى من مزارات أو معجزات، لنبدأ بإسرائيل لأنها «مربط الفرس» من تلك المنطلقات لما تمتلكة من تأثير لامتلاكها كنيسة المهد وكنيسة القيامة وغيرهما من الأماكن المقدسة المسيحية.. فى 2008، وصل عد السائحين فى إسرائيل لأكثر من 3 ملايين سائح، ويأتى أكبر عدد من السياح من الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، المملكة المتحدة، وألمانيا، ومنهم حوالى نصف مليون من دول إسلامية، وفق ما نشرت صحيفة هاآرتس، وأغلبهم يأتون من دول غير عربية مثل تركيا وإندونسيا وماليزيا، وعدد أقل من الدول العربية حوالى 100 ألف من المغرب وتونس والأردن ومصر والخليج، وأضافت الصحيفة بأن أعداد السائحين من الدول الإسلامية زادت بنسبة 20 % مؤخرا نتيجة فتاوى مجموعة من الفقهاء فى دول الخليج منذ ثلاث سنوات، الخلاصة أن إسرائيل، الدولة العدوانية، تستطيع أن تجذب سنويا من ثلاثة إلى أربعة ملايين سائح دينى، حوالى نصف مليون منهم من الدول العربية والإسلامية.. لماذا؟ الإجابة لأن إسرائيل تمتلك عددا بسيطا من الشركات السياحية لا يتجاوز الخمسين شركة، ولكن كلها تمتلك فروعا لها فى أهم الدول الجاذبة للسياحة الدينية بما فى ذلك مصر التى كانت عدوا أساسيا وهناك قرار مجمع مقدس من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ولكنها استطاعت أن تجذب شركاء لها فى مصر.
فرنسا: تمثل السياحة ثلث الدخل القومى، ووصل عدد السياح عام 2011 إلى 79،5 مليون سائح، منهم 10 % سياحة دينية، أى حوالى ثمانية ملايين،لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة، وأغلبهم من الأمريكتين.. ويزورون كاتدرائية نترودام فى باريس، وعذراء لورد وغيرهما.
إيطاليا: يزور إيطاليا نحو 43.7 مليون سائح سنويا، السياحة هى واحدة من أسرع القطاعات نموا فى إيطاليا وأكثرها ربحية مع عائدات تقدر بنحو 42.7 مليار دولار.. و20 % من هؤلاء يزورون الأماكن المقدسة فى إيطاليا والفاتيكان، أى حوالى عشرة ملايين يزورونها لزيارة الأماكن المقدسة.
إسبانيا: احتلت إسبانيا المرتبة الثانية بعد فرنسا سياحيا ويزورها 60 مليون سائح سنويا منهم 15 % سياحة دينية حوالى 8 ملايين، وتمتلك شركات السياحة الدينية فى إسبانيا شركاء وفروعا فى كل دول أمريكا اللاتينية.
امريكا اللاتينية : عدد سكانها يفوق المليار مواطن 95% منهم مسيحيون كاثوليك، منهم 163 مليونا يزورون 18 دولة فى العالم سياحيا، وللأسف مثلا لم يزرنا فى مصر عام 2017 سوى 1327 سائحا!! ولا نملك لا شركاء ولا فروعا لشركاتنا السياحية فى أى دولة منها .
أيضا إننا نسى حوالى 100 مليون مسيحى فى روسيا، منهم مليونان سنويا يحجون إلى القدس، وإثيوبيا وغيرهما، وأخيرا أتمنى أن نجرى أبحاثا حقيقية وليس كلمات حماسية ووقفات، وكلاما «لايودى ولا يجيب».
إذن نحن أمام 100 مليون سائح دينى فى العالم فى حوالى عشرين دولة، يشكلون 15 % من مجمل السياحة للدول الكبرى فى العالم، ولا تملك تلك الدول «باستثناء إسرائيل التى بها القدس وبيت لحم والناصرة»، ولا يوجد فى أى دولة أخرى غير مصر وإسرائيل أماكن مقدسة للمسيح والعذراء والعائلة المقدسة، ورغم ذلك هناك أكثر من 90 مليون مسيحى يزورون سنويا آثارا مسيحية مقدسة، ولكنها لا ترتبط بالعائلة المقدسة، ورغم ذلك لا نكتشف ولا نبحث فى ذلك.