رغم مرور عامين على محاولات الإطاحة بالنظام التركى والتى نهضت بقيادة الجيش الوطنى الرافض للديكتاتورية فى بلاده فى 16 يوليو 2016، يواصل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان -الذى يعمل منذ ذلك التاريخ على تحصين عرشه من تصاعد نفوذ أى مؤسسة داخل النظام- شن حملات تصفية داخل المؤسسة العسكرية بين كبار الجنرالات حيث أوقف النظام حديثا 47 عسكريا معظمهم فى الخدمة.
وفى أحدث حلقة من حلقات الصراع الدائر بين الرئيس التركى والمؤسسة العسكرية، أصدرت النيابة العامة فى تركيا، قرارا بتوقيف 47 عسكريا، وبحسب جريدة زمان التركية، فإن قرار النيابة العامة الصادر من مدينة مانيسا غرب تركيا، يشمل 38 عسكريا فى الخدمة حاليا، بينما الباقون جرى فصلهم من العمل فى أوقات سابقة.
وعلى إثر ذلك شنت مديرية الأمن عمليات دهم في 26 مدينة مركزها إزمير، ولا تزال أعمال البحث والتفتيش في عناوين الموقوفين جارية. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان، بأن السلطات التركية اعتقلت خلال عامين، 160 ألف شخص، وقامت بطرد أكثر من 150 ألف شخص من وظائفهم الحكومية المدنية والعسكرية.
كيف استغل أردوغان حالة الطوارئ لتصفية المعارضة داخل الجيش
فرض أردوغان حالة الطوارئ فى تركيا بعد أيام من محاولة الاطاحة بحكمه في 15 يوليو 2016، وطبقت في 20 يوليو لفترة أولى من ثلاثة أشهر تم تمديدها مرارا ما أثار انتقادات شديدة، وفي إطار حالة الطوارئ، اعتقلت السلطات التركية أكثر من 160 ألفاً، وأقالت عدداً ضخما من وظائفهم في مختلف مؤسسات وهيئات الدولة في مقدمتها الجيش والشرطة والقضاء والتعليم والإعلام، حسب إحصائيات للأمم المتحدة في مارس الماضي، ومؤخرا فى أبريل العام الجارى اعتقل النظام التركى 70 ضابطاً بالجيش للاشتباه بصلاتهم برجل الدين المعارض فتح الله جولن وكما أصدر الادعاء إنه أصدر أوامر اعتقال استهدفت 96 شخصا منهم 91 من أفراد القوات الجوية، وأطلقت السلطات على عمليات التصفية التى تمت داخل المؤسسة العسكرية حملة تطهير مؤسسات الدولة من المعارضة. ومن بين الموقوفين، حوالي 7500 عسكري، كما تفيد أرقام وزارة العدل. كذلك تمت إقالة أكثر من 7500 جندي.
عمليات التصفية داخل المؤسسة العسكرية
تمتلك المؤسسة العسكرية التركية تاريخ من المحاولات للاطاحة بالأنظمة الديكتاتورية فى هذا البلد، ومنذ عام 2003، وضع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذى كان رئيسا للوزراء فى ذلك الوقت نصب أعينه على تقليم أظافر الجيش الذى بات يؤرقه وكاد يقضى على حلم الانفراد بالسلطة وتحويل النظام من برلمانى إلى رئاسى، وحرض على تعيين قادة أركان الجيش من الرجال المخلصين ومن الدوائر المقربة منه
بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم فى 2003، قامت حكومة أردوغان بإصدار حزمة قانونية جديدة فى 30 يوليو من العام نفسه، لإعادة هيكلة المؤسسات، كان منها ما يخص المؤسسة العسكرية، والعلاقة بين العسكريين والمدنيين داخل الأمن الوطنى، وهى ما استهدفت تقليص الوضعية القانونية والدستورية للجيش، وقد صادق عليها البرلمان التركى.
كما عقدت حكومة أردوغان سلسلة من التعديلات الدستورية، وأخذت الاحتياطات والخطط لمنع أى مؤامرة أو محاولة لقلب نظام الحكم داخلها، فقللت من تدخل الجيش فى العملية السياسة، واستغل أردوغان التعديلات وقام بوضع حدا نهائيا لدور العسكر فى الحياة السياسية، منها أنه جعل عدد أعضاء مجلس الأمن القومى 9 مدنيين مقابل 5 من العسكر بعد أن كان عدد المدنيين 4 منذ تأسيس المجلس قبل عقود. كما أن قرارات المجلس لم تعد ملزمة للحكومات كما كانت فى السابق، حيث أصبح الأمين العام للمجلس مدنيا ويتبع لرئيس الوزراء بعد أن شغل الجنرالات هذا المنصب لعقود، وبالعلاقة المباشرة مع رئاسة الأركان التى لم تعد تملك أى صلاحيات فى نشاط المجلس الذى أصبح يجتمع مرة كل شهرين بدلا من مرة فى الشهر.
ومن القرارات الأخرى التى اتخذها أردوغان لتنامى نفوذ الجيش المتصاعد، قررت حكومته فصل القيادة العامة لقوات الجندرمة، وهى قوات الشرطة الريفية شبه العسكرية فى تركيا، عن هيئة الأركان العامّة وضمها إلى وزارة الداخلية، تعد محاولة لملء صفوف الدرك بأنصار حزب العدالة والتنمية وخلق توازن فى مواجهة قوة الجيش.
وبعد وصول أردوغان إلى السلطة عمل على تشديد القمع داخل الجيش التركى الذى يحتل المرتبة رقم 4 بين أقوى جيوش حلف شمال الأطلسى بحسب موقع "جلوبال فير بور"، وعبر إجراءات اتخذ إجراءات آخرى بالتدريج لتهميش دور المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية، بهدف ألا يتجاوز دورها الدفاع عن البلاد ضد التهديدات الخارجية،وفى عام 2013م أقر البرلمان التركى تعديلا على قانون الجيش، يقضى بأن الجيش يدافع عن المواطنين ضد التهديدات الخارجية، وذلك عوضا عن قانون الخدمة الداخلية للقوات المسلحة، والتى كانت تقول إن الجيش يحمى العلمانية فى تركيا.
وأخضع أردوغان تحركات وتصرفات الجيش التركى لمراقبة البرلمان، وفى تعديلات 2016 الدستورية كان إحدى بنوده تنص على أن يتولى رئيس الدولة صلاحيات تنفيذية وقيادة الجيش، ويحق له تعيين الوزراء وإقالتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة