لا يمكن المقارنة بين العلاقات المصرية السودانية وعلاقة مصر بأية دولة أخرى مهما نمت وازدهرت، لأن العلاقات المصرية السودانية باختصار هى علاقات البلد الواحد الوطن الواحد والمصير الواحد، حتى مع نشوء التغيرات السياسية التى حددت وفصلت ظاهريا بين الشعبين، لكنها لم تستطع ولن تستطيع أن تفصل التدفق الإنسانى ولا أن تقطع الوشائج العديدة بين المصريين والسودانيين.
المصريون والسودانيون تربطهم وحدة وادى النيل، وهى وحدة ليست مجرد كلمة تقال، ولا عبارة إنشائية تستخدم حسب المود السياسى لحاكم مصرى أو سودانى، بل هى الحقيقة المجردة العصية على الاختراق والتجاوز من قبل المشارقة والمغاربة، العرب والعجم، ولا يمكن أن ترتهن علاقة البلدين لمصالح سياسية عابرة مع أى دولة أخرى.
لكن ما ضاع من أسباب القوة والتكامل والاتحاد بين الشقيقين المصرى والسودانى على مر العقود الماضية كبير وجسيم وهائل أيضا، فالإمكانات البشرية والاقتصادية والعلمية المتوفرة للبلدين لو فقط تم تفعيل اتفاقات التكامل والتعاون بينهما، لأصبح لمصر والسودان شأن آخر بين بلاد القارة والمنطقة والعالم، وعلينا أن نسأل أنفسنا كيف ضاعت ما ضاعت من أسباب التكامل والتعاون والاتحاد؟ ولماذا أهدرنا السنين والعقود فى خلافات صغيرة شكلية أعاقت تعاوننا ولتحقيق طفرة تنموية فى بلدينا؟ وهل نحن مستعدون لمزيد من السنوات التى تضيع فيها الفرص المشتركة للنجاح والتنمية فى كلا البلدين؟
مشروع الربط الكهربائى وإحياء فكرة مد خطوط السكك الحديدية من الإسكندرية إلى السودان، بالإضافة إلى إطلاق مشروع النقل النهرى التجارى عبر نهر النيل وحتى إثيوبيا من المشاريع التى تجمع ولا تفرق وتعمق الصلات والوشائج الإنسانية بين البلدين، فضلا عن إعادة تفعيل اتفاق الحريات الأربع الذى يسمح للمصريين والسودانيين بحرية الحركة والتنقل والعيش والعمل بين البلدين يضع الأمور فى نصابها، كما يسمح بالاستثمارات المصرية بأن تتدفق من جديد على السودان، وكذا الأمر بالنسبة للاستثمارات السودانية.
وإذا كانت الاستراتيجية الأمنية المصرية تقوم على أن أمن دول الجوار الأساسية جزء لا يتجزأ من الأمن المصرى، فإن تعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين الشقيقين كاف لدرء المخاطر الإقليمية والدولية على بلدينا، وكذا تفويت الفرصة لمن يريدون الاصطياد فى الماء العكر، ودق الأسافين بين البلدين، ورأينا كيف أسهمت الزيارة الأخيرة للرئيس السيسى للسودان فى إعادة الاعتبار لأربعة ملفات للتعاون بين البلدين، فى مقدمتها تعزيز التنسيق والتشاور على صعيد الأمن القومى لمواجهة التحديات الإقليمية، خصوصا فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر وتغلغل قوى إقليمية ذات طابع استعمارى مهيمن إلى المجال الحيوى الذى يمس أمن الدولتين.
كما أسفرت الزيارة عن جدول أعمال محدد لتعظيم التعاون الاقتصادى وتعزيز مختلف جوانب التعاون المشترك، فى مجالات البنية التحتية والنقل والزراعة والإنتاج الحيوانى، من خلال تشكيل لجنة تسيير برئاسة وزيرى خارجية البلدين، وعضوية الجهات المعنية المختلفة، لبلورة مشروعات محددة بجداول زمنية يتم الالتزام بها، فضلًا عن تكثيف الجهود لوضع ما يتم الاتفاق عليه موضع التنفيذ، بعيدا عما جرى اعتماده خلال السنوات السابقة من إبداء حسن النوايا والرغبة فى التعاون وتفعيل الاتفاقات الموقعة دون وجود آلية حقيقية للتنفيذ.
ومع ما تحقق، هل تعنى الزيارة الإيجابية للرئيس السيسى أن العلاقات المصرية السودانية، بلغت ما نتمناه لها من تقدم وازدهار؟ وفى ظنى أن الطريق مازال طويلا ويحتاج إلى عمل دؤوب ومستمر من قيادات البلدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة