فى الوقت الذى تثور فيه التداعيات غير الإيجابية حول القمة الأخيرة التى عقدها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، فى العاصمة الفنلندية هلسنكى، الإثنين الماضى، مع تصاعد الاتهامات بالخيانة التى تلاحق البيت الأبيض للمرة الأولى فى التاريخ الأمريكى، خاصة بعد انتقادات ترامب الصريحة لأجهزة الإدارة الأمريكية، وإلقاء اللوم عليها فى توتر العلاقات بين موسكو وواشنطن، تتصاعد الدعوات من قبل عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكى من المنتمين للحزب الجمهورى، للاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السورية، وهو ما يطرح التساؤلات حول إطلاق مثل هذه الدعوات فى هذا التوقيت.
يبدو أن التزامن بين الدعوة التى يتبناها الحزب الجمهورى، مع الانتقادات العنيفة التى تتعرض لها إدارة ترامب بعد قمة هلسنكى، يحمل فى طياته رغبة صريحة فى الحفاظ على شعبية الحزب الأمريكى المحافظ، بين القطاعات الأمريكية المتشددة، والمعروفة بموالاتها لإسرائيل، وعلى رأسهم اللوبى الصهيونى فى الداخل الأمريكى، لمواجهة الحملات الإعلامية الشرسة التى تهدف إلى تقويض شعبية الحزب الذى مازال يسيطر على أغلبية مقاعد الكونجرس، قبل شهور قليلة من انطلاق انتخابات التجديد النصفى المقررة فى شهر نوفمبر المقبل.
الجولان.. ورقة الجمهوريين للحفاظ على الشعبية والتمويل
دعوة الجمهوريين للاعتراف بسيادة الدولة العبرية على الجولان السورية، يمثل فى حقيقته امتدادا لسياسات الإدارة الحالية التى تقوم فى الأساس على استخدام ورقة إسرائيل لتحقيق مآربها السياسية فى الداخل، وهو الأمر الذى بدا واضحا قبل ذلك فى قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس فى ديسمبر الماضى، والذى آثار جدلا دوليا باعتباره انتهاكا صريحا لقرارات الشرعية الدولية، وبالتالى يمكنه المساهمة فى تقويض عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بالإضافة إلى عدد من القرارات الأخرى منها الانسحاب من اليونيسكو وكذلك المجلس الدولى لحقوق الإنسان بسبب ما أسمته الإدارة انحيازا ضد إسرائيل.
الدعم الصريح لإسرائيل كان السمة السائدة والمهيمنة على قرارات الإدارة الحالية، منذ تنصيبها فى يناير 2011، حيث استهدف الرئيس الأمريكى، من خلال مثل هذه القرارات، الحفاظ على دعم قطاعات بعينها فى الداخل الأمريكى له ولحزبه، من بينهم أعضاء اللوبى الصهيونى الأمريكى، بالإضافة إلى الحفاظ على التمويل الذى يحصل عليه الحزب الجمهورى من قبل بعض رجال الأعمال المعروفين بموالاتهم لإسرائيل، وعلى رأسهم الملياردير اليهودى الأميركى شيلدون أدلسون، والذى دفع ملايين الدولارات لدعم الحملة الانتخابية لترامب فى 2016.
اتهامات بالعمالة.. ترامب يبحث عن انتصار لصرف الانتباه
ولعل الحديث الراهن عن إمكانية الاعتراف الأمريكى بالسيادة الإسرائيلية على الجولان يمثل محاولة جديدة من قبل الإدارة الحاكمة فى الولايات المتحدة لتحويل الانتباه فى الداخل عن اتهامات المعارضة الديمقراطية لترامب بالعمالة لصالح روسيا على خلفية لقاءه مع بوتين فى هلسنكى، من خلال الترويج لما يمكن للرئيس الأمريكى أن يسميه انتصارا دبلوماسيا على حساب روسيا، خاصة بعد التصريح الأخير الذى أدلى به الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فى أعقاب لقاءه مع ترامب، بأن هناك ضرورة ملحة لإعادة الوضع فى الجولان السورى المحتل إلى ما كان عليه قبل عام 1967.
يقول الخبير السياسى جوش رويبنر، فى تعليق سابق أبرزته صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، أن قرارات ترامب تتسم فى جزء كبير منها بالعشوائية، وبالتالى يصعب التنبؤ بها، وهو الأمر الذى ظهر بوضوح فى قراره بنقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إلى القدس، موضحا أن القرار لم يرتبط بالسياسة الخارجية الأمريكية، بقدر ارتباطه بالجدل فى الداخل الأمريكى فى تلك الفترة حول اتهام مستشار الأمن الأمريكى السابق مايكل فيلين بالكذب خلال التحقيقات التى أجراها معه مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى، حول قضية التدخل الروسى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة.
ضوء أخضر جديد.. هل تدق أمريكا طبول حرب جديدة؟
القرار الأمريكى المحتمل يعد بمثابة ضوء أخضر جديد من قبل إدارة ترامب، لحكومة نتنياهو لمواصلة انتهاكاتها، فى إطار سعيها نحو تحقيق أكبر قدر من الاستفادة خلال وجود الإدارة الحالية باعتبارها تقدم دعما غير مشروط لإسرائيل، وهو ما بدا واضحا سواء فى الانتهاكات التى ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين فى أعقاب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث استخدمت الدولة العبرية العنف غير المبرر تجاه الفلسطينيين الذين تظاهروا اعتراضا على القرار، وهو السلوك الذى لاقى إدانة دولية كبيرة.
الجيش الإسرائيلى يرتكب انتهاكات بحق الفلسطينيين
ولكن بالنسبة للجولان، فربما تكون التداعيات أكبر من ذلك، بحسب ما قال الباحث السورى، الدكتور بسام أبو عبد الله، فى تصريحات أبرزتها وكالة "سبوتنيك" الروسية، حيث أن وصول الجيش السورى إلى الجزء المحرر من القنيطرة بالقرب من الجولان السورى المحتل، سيؤدى إلى تداعيات خطيرة، فى ضوء احتمالات أن تصل الأمور إلى مواجهة مباشرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة