سيبدأ الدورى المصرى نهاية الشهر الجارى، وبالتالى سوف تنتشر ثقافات متعلقة باللعبة، لذا نقول إن «الكورة أجوال»، كما قال الكابتن لطيف، و«الرياضة أخلاق» كما علمونا فى المدارس، والثقافة أمر ضرورى فى الملاعب، كما علمتنا «خناقات المباريات»، وعند الربط بين الثقافة والرياضة سوف نصبح أمام إشكالية كبرى، لأن معنى كلمة «الثقافة» هنا يتشعب، ليشمل السلوك المتحضر، ورد الفعل الإيجابى، والتعرف على المعنى الحضارى للتشجيع ونبذ التعصب الأعمى، ويتناول سلوك الاحتفال والهزيمة، وغيرها من المظاهر التى تتعلق بالرياضة فى العالم كله.
وطبعًا فى حال بحثنا عن هذا المفهوم الثقافى على الرياضة فى مصر، سوف نلحظ مشكلة كبيرة فى الملعب، خاصة مباريات كرة القدم، وذلك بدءًا من اللاعب، وانتهاء بالمعلق، والمحلل، مرورًا بالجمهور الذى يمنح اللعبة معنى أو يفرغها من المعنى، ويحولها لمشاجرة صاخبة فى حارة شعبية، البعض قد يستهين برد الفعل العنيف من أطراف هذه اللعبة التى تعد الأولى فى العالم، ويرون أنه أمر عادى جدًا، ويحدث فى كل الدنيا، بينما يفسر آخرون رد الفعل المبالغ فيه من الجميع بأنه سلوك شخصى لا علاقة له بجو المباريات.
فى الحقيقة كل هذا التوتر الذى نعيشه فى المباريات هو تراكمات لغياب الثقافة فى الأماكن المخصصة لممارسة هذه اللعبة، فى النوادى المختلفة، وفى الساحات العامة، وفى ملاعب المدارس، وهذا الغياب الثقافى صنع خلطًا فى مفهوم «الهوية»، لدرجة أن أصبح الفريق بمثابة الوطن، وهذا أمر خطير يترتب عليه التقليل من قيمة الآخر، واعتباره أقل درجة، مع العلم أن الآخر هنا هو الأخ والصديق والجار.
ربما يسأل أحد عن الكيفية الثقافية التى يعاد من خلالها صياغة العلاقات بين الإنسان والكرة، نقول له إن الأمر يبدأ مبكرًا منذ الطفولة فى المدرسة فى حصة «الألعاب»، التى مع الأسف لم تعد موجودة فى كثير من المدارس، فى هذه الحصة يجب التأكيد على أن المنافس مختلف عنك، لكنه ليس عدوك، وأن الأمر لا يتجاوز حدود الملعب.
وفى النوادى يجب أن تكون هناك ندوات ثقافية تتحدث عن الاعتدال، ودور الرياضة فى بناء الإنسان والمجتمع، وليس هدمه، كذلك على اللاعب فى أى نوع من الرياضة أن يمارس موهبة معينة، سواء الكتابة أو الرسم أو الموسيقى، وهناك جانب مهم أيضًا على النوادى أن تقوم به، يتعلق بالندوات الدينية، شريطة أن يقدمها رجال متخصصون معتدلون يعرفون لمن يوجهون خطابهم، ويملكون مواطن تأثيرية كبيرة فى هذا المجال.
لا يمكن لنا بشكل من الأشكال أن ننكر المساحة التى باتت تشغلها مباريات كرة القدم فى حياة المجتمع، وبينما يرى البعض أنها مثقلة بالتعصب، لكننى أصر على أن هذه المساحة ممتلئة بالخير، ويمكن لو تم تجاوز أخطائها أو حتى تقليلها أن تتحول لثقافة بناءة تساعد فى خلق مجتمع قوى يعرف فضل المنافسة وتحقيق الأحلام.