تابعت مثل غيرى الخبر الذى انتشر خلال الأيام الماضية، وهو عبارة عن صورة لشارع مرصوف بالأسفلت، وتحتها وحولها تعليقات أن هذا شارع بالجمالية، تم رصفه بالأسفلت «سفلتته»، بدلا من الطوب الحجرى المناسب أكثر لطبيعة المنطقة، بما يتعارض مع كونه أحد المعالم الأثرية تم نشر صورة للشارع نفسه قبل رصفه وتغيير معالمه ويظهر فيه الطوب، وبالرغم من اختلاف الصورتين المسفلتة والقديمة، فقد واصل بعض المعلقين نشر الصورة مع بسبسات وحوقلات وحزن على إهالة التراب على معالمنا الأثرية.
توالت التشييرات والتعليقات الحزينة جدا على ما جرى، ولم يفكر أى من كل هؤلاء فى أن يسأل أو يخطف رجله إلى المكان ليعرف أو حتى يتصل بأحد معارفه بالقرب من المكان وحوله. كانت التعليقات والعنعنات مستمرة تهاجم القبح والعدوان على المعالم العالمية وتثبت أننا لا نستحق كل هذا.
وطبعا قرار مثل سفلتة الشارع يفرض فى حالة صحته أن يثير الغضب والرفض، لكن البداية دائما هى التأكد من صحة الخطأ، اتصلت بأحد معارفى ولديه محل بالقرب من المكان، فأخبرنى بأن شارع المعز لم يتم تغيير أى شىء فيه، وأرسلت له الصورة المنشورة، فأخبرنى بأنها لمكان آخر، وهو شارع عام كان مرصوفا من قبل وتم رصفه من جديد، ولا جديد.
ثم إن الزملاء الصحفيين الذين ذهبوا والتقطوا الصور نشروا أن شارع المعز على حاله ولا يوجد أسفلت، وأصدرت محافظة القاهرة وهيئة الآثار بيانات تؤكد فيها أنه لم يتم سفلتة الشارع وأنه بالطوب الحجرى كما هو، لكن البعض واصل النشر وحتى هؤلاء الذين اكتشفوا خطأهم عالجوا الأمر بالاستمرار فى مهاجمة الأى حاجات السيئة التى توجد فى الموضوعات، من دون أن يتواضعوا ويعترفوا بالخطأ الذى ارتكبوه.
كانت القصة كلها خيالية، لكنها وجدت من يتبناها «ينفعل المواطن الافتراضى ويدخل فى زحام التريند ليطلق الشلاليت والأقلام ويهاجم مع الشير. بين هؤلاء بالطبع كثيرون فعلوا ذلك وأبدوا غضبهم وحزنهم بصدق، وكثيرون فعلوا هذه اللطميات لأنهم اعتادوا اللطم فى أى قضية بصرف النظر عن طبيعتها، ومثل هذه القصة الشائعة هناك عشرات البوستات يوميا منسوبة لمواقع معروفة تثير اللغط، ويتضح أنها شائعة لا أصل لها ولا لينك على الموقع المقصود.
بالطبع هناك الكثير من الأخطاء التى ترتكب وتحتاج إلى مواجهة وانتقاد، لكن الأمر فى هذه الحالة يتحول إلى صراخ مجانى، ومع تكرار مثل هذه الفرقعات الافتراضية، بعض الأخطاء الفعلية لا تجد من يتصدى لها، لأن الجمهور الطبيعى يتعامل معها على أنها مجرد شائعات وأكاذيب، قد تجد من يصدقها، لكنها مع الوقت تفقد تأثيرها.
اللافت فى كل هذا هو أن عددا لا بأس به من المعلقين يفترض أنهم كبار بما يكفى للبحث والسؤال قبل التسرع بتعليق ولطم لا مكان له، بل إن الاحتشاد لنشر وتشيير هذه الشائعات يساهم بطريقة ما فى تضييع الفرص لمواجهة الأخطاء الحقيقية التى تقع، بل إن مثل هذه الأكاذيب تساهم وتغذى بطريق غير مباشر تيارات التضييق والحصار، لأنهم يأخذون من الأكاذيب مثالا لحصار الحقائق، بينما الأولى بمن يمارسون اللطميات الافتراضية أن يوفروا لطمهم لموضوعات حقيقية وأكثر جدية.