فى مقال أمس ذكرت أن معظم المؤسسات الحضارية التى نفتخر بها الآن والتى تتميز بالعديد من المميزات الفنية والمعمارية الراقية تنتمى لعصر أسرة محمد على التى يعاد تقييمها الآن كما يعاد تقييم ما بعدها، وفِى الحقيقة فإننى سعيد تماما بحالة الشد والجذب التى حدثت هذه الأيام، تواكبا مع الاحتفال بذكرى ثورة يوليو، فالمجتمع الذى لا يراجع أفكاره مجتمع ميت، والشعب الذى يسجن نفسه فى عصر واحد أو فى حقبة تاريخية واحدة هو شعب أسير، وغاية ما أتمناه هو أن تتبلور حالة النقاش هذه، وتتحول إلى وعى عام بأننا لا نستطيع تغيير التاريخ ولا استعادته، لكننا فقط نستطيع الاستفادة منه بأن نعظم من إيجابياته ونحذر من سلبياته لا أن نحول الحقب التاريخية إلى قبائل نتعصب لها تعصب الجاهلية الأولى.
عبد الناصر ليس نبيا ولا مجرما، والملكية لم تكن عصرا ملائكيا ولا شيطانيا، كل حقبة لها ما لها وعليها ما عليها، وعلى من يريد أن يستعيد عصر عبد الناصر أن يذهب إلى المسجد ليدعو الله بأن يستنسخ لنا ناصر من جديد، وعلى من يريد أن يستعيد الملكية أن يذهب إلى المتحف ليقدم القرابين لآثار أسرة محمد على.
هذه قناعاتى وهذا اعتقادى، فالتاريخ يعيد نفسه حقا، لكننا لا نستطيع استعادته، والأمم تتطور باستيعابها للماضى لا فى غرقها فيه، وفِى اعتقادى أيضا أن أول طريق التصالح مع التاريخ هو أن نعطى كل ذى حق حقه، وأن نخلص مصر من هذا الغل التاريخى الواقع على العصر الملكى الذى استمر حتى الآن، فقد يكون مفهوما أن يحاول عبد الناصر محو تاريخ الملكية من مصر لخوفه من اضطراب البلاد وتأرجحها ما بين نظامين، وهو أمر حدث فى معظم الثورات، لكن غير المفهوم هو أن يستمر هذا الطمس كل هذا الزمن فننكر على أصحاب الفضل أفضالهم ويوقن المحسن أنه هو والمسىء سواء.
ستقول لى إن المال مال الشعب، فلماذا نطلق اسم الملك فؤاد على معهد الموسيقى العربية مثلا؟! ولماذا نطلق اسم الملك فاروق على متحف الفنون بالإسكندرية؟ وسأقول لك حقا تقول، لكن وفق هذا المنطق لماذا نطلق اسم منشية ناصر على منشية ناصر؟! ولماذا نطلق اسم أكاديمية ناصر على أكاديمية ناصر؟! ولماذا نطلق اسم مدينة السادات على مدينة السادات؟! وغير ذلك من آلاف الشوارع والميادين والمنشآت؟ أضف إلى هذا أن هناك العديد من المؤسسات العظيمة تم بناؤها من الأموال الخاصة للملوك والملكات والأمراء والأميرات، جامعة القاهرة شاهدة، والمتحف الزراعى يشهد، وكلية الفنون الجميلة شاهدة، وعشرات الأبنية والمؤسسات كذلك، هذا هو التاريخ، فإما أن نحتفظ بآثار كل عصر ومنجزاته أو نطمس كل العصور وكل منجزاتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة