إذا رأيت صور «الأبيض والأسود» لكوبرى قصر النيل بشكله الجميل فى عهد الملكية وقبل ثورة يوليو 1952 وأبهرتك نظافة شوارع وسط القاهرة، وسلب عقلك شياكة الباشوات والأمراء وأبناء الذوات، فلا تنس أن عوامل الإبهار فى هذه المناطق فقط، ولا تتعدى نقطة لا ترى بالعين المجردة فى الخريطة الجغرافية والسكانية المصرية، وستصاب بتلوث بصرى، وأذى شديد فى إنسانيتك، عندما تتجه للأطراف فى حوارى القاهرة وأزقتها، وفى محافظات ومدن وقرى الصعيد والوجه البحرى، وتجد المصريين حفاة القدمين، يرتدون الملابس الرثة، وينامون فوق الأفران البلدى فى منازلهم للتدفئة، لعدم قدرتهم على شراء ما يغطيهم ويقيهم من برد الشتاء القارس..!
كنت ستتألم وتصاب باكتئاب شديد وأنت ترى أراضى مصر وثرواتها فى يد 350 عائلة فقط من العائلات الأجنبية التى تقطن مصر ، بينما المصريون أبناء وأصحاب هذا الوطن، لا يملكون من حطام الدنيا شيئا، فتسمع عن الخواجة «ميتشو» الذى يمتلك عشرات الآلاف من الأفدنة فى الأحوزة العمرانية المختلفة فى محافظة قنا، وتجد البرنس يوسف كمال الذى يسيطر على أراضى شمال قنا وجنوب سوهاج، وأبناء الباشوات يسيطرون على أسيوط والمنيا والقليوبية والقاهرة والجيزة، وتجد الخواجات يتحكمون فى بورصة القطن..!!
كنت ستلعن اليوم الذى ولدتك أمك فيه، عندما تجد حملة كبرى تنادى بتلقى التبرعات لشراء أحذية وشباشب وقباقيب، وتوزيعها على المصريين لمحاربة السير حفاة، وحملة تبرعات أخرى لتأسيس الإسعاف فى محاولة لتقديم بعض الإسعافات الأولية لعدد من المرضى، وحملة تبرعات ثالثة لتأسيس جامعة فؤاد الأول، والتى صارت فيما بعد «جامعة القاهرة»..!!
كانت أحشاؤك ستتقطع إربا من هول الألم وأنت ترى فلذة كبدك يذهب ضحية مرض الحصبة الذى كان يحصد المئات من الأطفال سنويا حينذاك، ولا تجد علاجا له، أو تراه عاجزا لا يستطيع الحركة، نظرا لإصابته بشلل الأطفال، أو يموت من وباء الكوليرا، أو يصاب بالعمى، فلا وجود لمستشفيات أو وحدات صحية، فى أى محافظة أو مدينة، تقدم علاجا، وكان الاعتماد على الوصفات الشعبية، فما البال فى آلاف القرى فى الوجهين القبلى والبحرى..؟!
كنت ستعلن عن سخطك الشديد، وأنت تعيش فى ظلام دامس بلا كهرباء، وتزعج كرامتك وكبرياءك وأنت تشاهد يوميا ذهاب زوجتك وبَنَاتِك سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة، إلى نهر النيل ليملأن «البلاليص» ماء والعودة لتشرب، فلا وجود لمياه شرب..!!
كنت ستصرخ بعنف وقوة، وأنت ترى معظم الشعب المصرى، وفى القلب منه الأطفال يتضورون جوعا، يوميا، ويربطون بطونهم بشال حول «وسطهم» لأنهم لا يجدون حتى الفتات من بقايا البتاو، وبقايا من «مش يزخر بالديدان التى تقفز من الطبق وتعود له من جديد وكأنها تلعب طاولة على مقهى بلدى» ليسد آلام الجوع فى أمعائهم..!!
بالطبع نعرف تماما من يقف وراء تدشين حملات الترحم على أيام الملكية ، وإهالة التراب على ثورة يوليو بمبادئها الستة، وتأسيسها لعدالة اجتماعية حقيقية، وأول المدشنين لتشويه الثورة هم جماعة الإخوان الإرهابية، وهى الجماعة الأحقر فى تاريخ مصر، بل فى تاريخ البشرية، نظرا لشخصنة عدائها المفرط لجمال عبدالناصر..!!
وإذا قرأت ما كتبه كبير كهنة معبد الجماعة الإرهابية «سيد قطب» مع بدء ثورة يوليو فى سلسلة مقالات منشورة فى أخبار اليوم وروزاليوسف، مشيدا بالثورة وطهارتها ونقائها، ومحرضا الضباط الأحرار بضرورة نهج ما أطلق عليه حينها «الديكتاتورية الطاهرة» ضد الغوغائية، فستقف بشدة مدهوشا من حقارة الإخوان، فعندما تتعانق مصالحهم مع نظام أو جهات أو ثوار، يتقربون إليهم بشدة، ويقدمون كل فروض الولاء والطاعة.
خذ عندك على سبيل المثال، ما كتبه سيد قطب فى جريدة الأخبار وتحديدا فى 15 أغسطس 1952 تحت عنوان «حركات لا تخيفنا» مدافعا عن الثورة والضباط الأحرار، وقال عن إضرابات 12 و13 أغسطس 1952 لعمّال كفر الدوّار ما نصه: «إن عهدا عفنا بأكمله يلفظ أنفاسه الأخيرة فى قبضة طاهرة ولكنها قوية مكينة، فلا بأس أن يرفس برجليه، ولكنه عهد انتهى، عهد قد مات، ولكن المهم هو أن نشرع فى الإجهاز عليه، وأن تكون المدية حامية فلا يطول الصراع، ولا تطول السكرات، لقد أطلع الشيطان قرنيه فى كفر الدوّار، فلنضرب بقوّة، ولنضرب بسرعة، وليس على الشعب سوى أن يرقبنا ونحن نحفر القبر ونهيل التراب على الرجعيّة والغوغائيّة بعد أن نجعلها تشهد مصرعها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة».
وفى فبراير 1953 كان هناك اجتماع شهير جمع كلا من محمد فؤاد جلال، وزير الشؤون الاجتماعية، وعبدالمنعم أمين، عضو مجلس قيادة الثورة، وحضور سيد قطب، مع النقابى المخضرم فتحى كامل، حول التنسيق من أجل تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال، وفوجئ الجميع بكاهن معبد الإخوان «سيد قطب» يرفض فكرة تأسيس الاتحاد، محاولا فرض رأيه بكل قوة، بل ورفضه المستميت إلغاء المادة 39 من قانون عقد العمل الفردى التى كانت تجيز الفصل التعسفى للعمال، وهو الخطأ الفادح الذى وقع فيه سيّد قطب و أدخله فى معركة عنيفة مع قيادات الثورة..!!
هذه هى الجماعة، عندما انقلبت على الملك ودعمت ثورة يوليو ، ورأت فيها الثورة الطاهرة المباركة، وعندما حاولت السطو عليها وسرقتها، مثلما فعلت فيما بعد مع هوجة يناير 2011 وأعطت «أطفال أنابيب الثورة» «قفا متين» وسرقتها منهم، كان الضباط الأحرار بقيادة «ناصر» لها بالمرصاد، ولقنوها درسا سياسيا قويا، فانقلبوا على الثورة وشوهوها، وناصبوا العداء المفرط للمؤسسة العسكرية، وبدأت مرحلة التشويه حتى كتابة هذه السطور..!!
كما ركب موجة التشويه «أطفال أنابيب هوجة يناير» وساروا كالقطيع خلف الجماعة الإرهابية دون تفكر أو تدبر ، بل بعضهم وصف الثورة بأنها انقلاب، وأنه لا ثورة «مجيدة» سوى 25 يناير، دون إدراك أنه لولا ثورة يوليو، لكان كل أطفال أنابيب يناير يعملون فى «الوسية» بجانب آبائهم وأجدادهم..!!
ستظل ثورة يوليو، الأهم فى تاريخ مصر، وتأثيراتها الاجتماعية على وجه الخصوص، الأعظم فى مسيرة الشعب المصرى الطويلة..!!
ولَك الله ثم جيش قوى وشعب صبور يا مصر...!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة