- عدم مساواة المرأة بالرجل دليل التجمد الفكرى للمشايخ
- سر نجاحى أنى أحب المريض النفسى.. وأول طبيب سأذهب إليه للعلاج هو «الموت».. نحن مسلمون بالولادة وليس بالاختيار.. ولا أعتقد أننا سندخل الجنة لنأكل ونشرب
قبل أكثر من خمسين عامًا استقبل هاتف الطبيب الشاب اتصالًا من معد برنامج «نجمك المفضل»، أشهر البرامج التليفزيونية وقتها، والذى كانت تقدمه الإعلامية القديرة «ليلى رستم»، قال له المعد «ندعوك لأن تكون ضيفا معنا»، رد الطبيب بقلق «لكننى لست العقاد أو طه حسين، لست فى أهمية ضيوفكم، ولست نجما مثلهم»، فقاطعه المعد: «لكنك أول طبيب مصرى متخصص فى الطب النفسى، وهذا يكفى»، المعد كان الكاتب الكبير أنيس منصور، والضيف كان الدكتور أحمد عكاشة.
فى تلك الفترة كانت مشاهد أفلام إسماعيل ياسين وعبد المنعم إبراهيم هى كل ما يعرفه المصريون عن المرض النفسى، وعلى مدار ستون عاما من العمل فى ممارسة العلاج والتدريس والظهور الإعلامى، استطاع عكاشة أن يغير كثيرا من المفاهيم والأفكار لدى المجتمع، ويغير مصطلحات تخصصه من ارتباطها بـ«العقل» إلى «النفس»، فأصبح المريض «نفسيا» وليس «عقليا». وبعد أن كان عكاشة أول طبيب متخصص فى ذلك النوع من الأمراض، أصبح يجلس الآن فى منتجعه للطب النفسى بالقاهرة الجديدة، وتحت قيادته أكثر من 60 عضو هيئة تدريس بأقسام الطب النفسى فى كل جامعات مصر، وفى مكتبه عشرات الشهادات والجوائز والتكريمات، على رأسها وسام الدولة للعلوم والفنون من الطبقة الأولى، لكنه لازال يترك مكتبه كل 10 دقائق ليتابع مريضا هنا، أو حالة هناك ترفض أن تستجيب لتعليمات إلا منه شخصيًا.
قبل أن يبدأ عكاشة حواره معنا تركنا للإشراف على إحدى الحالات المقيمة بالمنتجع، وترك معنا ملفًا طلب قراءته فقط دون تصويره، دوّن بداخله رؤيته الكاملة لملف مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، والتى يستعد لعرضها على رئيس الجمهورية بصفته عضوًا بالمجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف الذى يرأسه مباشرة رئيس الجمهورية، وتضمنت تلك الرؤية أفكارًا وتفسيرات فرضت نفسها لتكون نقطة بداية حوارنا مع عكاشة الملقب بـ«أبو الطب النفسى».
وإلى نص الحوار..
لماذا أعددت هذه الرؤية رغم شعور البعض أن المجلس غير مفعل حتى الآن؟
الأزمة أن الصورة ليست واضحة لكثيرين، فالمجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف تم تشكيله بقرار رئاسى فى يوليو 2017، واجتمعنا بعد تشكيله مرة واحدة فى حضور رئيس الجمهورية، ثم كان لابد أن ننتظر إصدار القانون المنظم لعمله ومهامه، وبالفعل وافق عليه البرلمان فى أبريل الماضى، والآن نحن نستعد للاجتماع المقبل مع الرئيس ليطرح كل عضو رؤيته فى وجوده، ولهذا السبب قمت بإعداد تلك الرؤية المتكاملة لكيفية مكافحة التطرف والإرهاب.
وما المختلف الذى تتضمنه تلك الرؤية عما يقال ويطرح فى وسائل الإعلام؟
المشكلة وللأسف الشديد أن غالبية ما يطرح فى الإعلام خاطئ وغير علمى، وإليك بعض الأخطاء المتداولة..
أولا، كل من يتحدثون فى الإعلام يعتبرون الإرهاب والتطرف شيئا واحدا، وهذا خطأ كبير، ناهيك عن أنه لايوجد فرد واحد ممن يتحدثون يملك تعريفا دقيقا للإرهاب أو للتطرف.
ثانيا.. الإرهابيون ليس هدفهم على الإطلاق الاستيلاء على الحكم، وهذا عكس مايقول كثيرون، بل هدفهم الترويع والتخويف والتأثير سلبيا على الحالة المعنوية للناس.
ثالثا.. لايوجد شىء اسمه التطرف الدينى، لأنه لايوجد دين يدعو إلى التطرف، فالتطرف –علميا- إما معرفى مرتبط بالفكر، أو وجدانى مرتبط بالعاطفة والمشاعر، أو سلوكى مرتبط بالأفعال وارتكاب أفعال إجرامية.
والتطرف السلوكى هو الأخطر والأكثر ارتباطا بالإرهاب بمعناه التقليدى، ومن حيث العلاج يمكن التحاور مع المتطرف الفكرى والوجدانى، أما السلوكى يقاوم بالقانون والقوة ولايمكن التصالح أو التحاور معه.
علميًا.. هل يوجد أشخاص بطبيعتهم يميلون للتطرف؟
أى إنسان يولد لديه استعداد فطرى للتطرف، تطرف فى الحب، أو الدين، أو العلم، أو حتى فى انتماءات كرة القدم، والعلم يقول إن الإنسان يولد لديه استعداد لكل شىء، لكن الغالبية تكون ميولهم فى منطقة المنتصف فلايحدث التطرف، وينطبق ذلك أيضًا على الأمراض النفسية، حيث يولد البعض لديه استعداد للأمراض النفسية.
وهل تدرك الجماعات المتطرفة ذلك فى اختياراتهم للانتحاريين؟
بالتأكيد، القيادات يعلمون كل ذلك جيدًا، فيختارون شخصًا ساخطًا مهمشًا يائسًا، ولديه ميل للتطرف، وأن يكون لديه غضب تجاه أسرته ومجتمعه ويشعر أنه بلا قيمة فى مجتمعه، ثم يبدأون وعده بأنه سيجد قيمته فى الجماع، وإيهامه بأن الحور العين فى انتظاره بعد الشهادة، ويطلع فى الآخر «كله مقلب كبير».
كيف يتخذ المنتحر قراره بالانتحار.. وهل «غسيل المخ» واقع أم مصطلح إعلامى؟
غسيل المخ مصطلح علمى وواقعى جدًا، ويحدث بطريقة مدروسة، وتنفيذه يبدأ بزرع أفكار ضلالية فى العقل، ومنع مخ الضحية من التعرض لأى منبهات أخرى، وأن يتم عزله 6 أشهر، لايسمع ولا يقرأ ولا يرى، إلا بما يدعم فكرة الاستشهاد والجنة، وفى نهاية الستة أشهر يعطونه «حبوب مخدرة» تعمل على تغييب الفص الأمامى للمخ، وهو الجزء الذى يميز بين الحلال والحرام ويوجد به الضمير، ثم يتم إرساله لتنفيذ العملية، وإذا فشل بها لا يعتمدون عليه ثانية.
البعض يرى أنه فى الواقع الحالى لا أمل فى القضاء على الإرهاب أو الفكر المتطرف.. هل تدعم ذلك؟
وجهة نظرى أن الفكر المتطرف لن ينتهى قبل 15 سنة، وأقول 15 سنة حتى يكون جيل جديد من الأطفال الذين سيطبق عليهم النظام التعليمى الجديد قد تخرجوا، لكن بشرط أن يسير مع النظام التعليمى الجديد وسائل أخرى، أهمها الإعلام، من خلال مواجهة انتشار حالة الذعر، وعدم إذاعة مشاهد دموية، ثم نشر ثقافة الفن والإبداع والنجاح، وكذلك محاولة دعم خطب الجمعة والمساجد بوسائل التواصل الحديثة على الإنترنت.
باختصار نحن نحتاج لتنوير الخطاب الدينى، وليس التجديد، واستعمال العقل لشرح النص، والتجمد الفكرى يتجسد فى أمور كثيرة مثل التمسك بعدم مساواة المرأة بالرجل، رغم أنها أصبحت متعلمة على عكس الماضى، كما اعتبر أيضًا تشكيل المجلس القومى لمكافحة الإرهاب، نموذج جيد يساهم فى مواجهة الفكر المتطرف، وأدعو لتطبيقه فى العالم كله، لأنه يضم ممثلين لكل أفراد المجتمع، وكل الكفاءات والكوادر المطلوبة لمواجهة التطرف والإرهاب.
لماذا لم تحدثنى عن دور الأزهر رغم منطقية أن يكون فى مقدمة كل ما ذكرت؟
لأن غالبية قيادات تنظيم الإخوان تخرجوا من الأزهر، «وللأسف الأزهر باظ بسبب أمور كتير»، يكفى أنه لا يوجد فى العالم كله كلية هندسة أو طب دينية سوى فى الأزهر، وأنا أعتبر فصل الكليات العلمية عن الأزهر بداية مواجهة التطرف فى المؤسسة، وهذا لاينفى الأزهر به أفاضل، لكنه تحول من الدعوة الى جامعة علمية.
كطبيب نفسى.. هل يمكن تشخيص أعضاء جماعة الإخوان على أنهم مرضى نفسيون؟
لا ليسوا مرضى نفسيين، لكنهم مصابون بما يسمى علميا «الضلال»، والضلال له تأثيرات سلوكية تغير شخصية الضال، وعادة تكون شخصياتهم تميل للتطرف والإيحاء وسهولة الاقتناع والإحساس بالتهميش والسخط، وهو ما يسهل عملية تجنيدهم وتبديل ضمائرهم وشخصيتهم بشخصية وضمير الجماعة.
وهل لدى أحمد عكاشة القدرة على محاورة قيادات الإخوان بالسجون وإصلاحهم؟
«لا خالص»، هؤلاء القيادات يجرى فى دمائهم الفكر المتطرف ومصابون بمتلازمة «المسادا»، وتلك المتلازمة تشخيص نفسى يعنى أنهم موقنون أنهم مسجونون فى سبيل الله، ووفاتهم فى سبيل ذلك شهادة، ومكافآتهم عليها الجنة والحور العين.
ذكرت «الحور العين» أكثر من مرة فى حديثك.. هل تشير إلى عدم إيمانك بوجودهم؟
«الحقيقة أنا معرفش مين اللى قال الكلام ده وجابه منين، كل الحاجات دى رمزية»، فكلمة «حور» تعنى الفتاة التى لم «تبلغ» بعد وليس لديها «ثدى»، وذلك يعنى بطريقة التفسيرات الظاهرية أن «الحور العين» أطفال، ما يعنى أنها ليست للنكاح، قد يكن للخدمة وتقديم الشراب والطعام، لكن أن يتحولن إلى نساء، فأنا لا أعرف كيف تم ذلك؟، والدليل على كلامى أن هناك حديثا شريفا بأن «الجنة بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، فكيف استطاع بشر مثلنا أن يتخيل الحور العين ويصفهم، اعتقادى الشخصى أن كل ما قيل عن الجنة ليس إلا أشياء رمزية، وبالتأكيد نعيم الجنة أقوى من الأكل والشرب والجنس، «مش هنروح الجنة عشان نجرب نفس الحياة ونأكل طول الوقت وندخل الحمام»، اعتقادى أن تفسيرى هذا هو الصحيح فى كل الأديان.
لكن بعض المشايخ أفتوا أن الجنة للمسلمين فقط وليس كل الأديان؟!
وهل اخترنا نحن أن نكون مسلمين؟!، نحن مسلمون بالولادة فقط وليس بالقراءة أو الاختيار، لم نقرأ مسيحية أو يهودية أو بوذية ثم نختار الإسلام، ثم أن القرآن لم يقل أن الجنة للمسلمين فقط، الجنة للمؤمنين، والمؤمنون موجودون فى كل الأديان، ووجهة نظرى أن المؤمن هو من آمن بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، ما يعنى أن البوذى الصالح سيدخل الجنة، فى حين أن المسلم غير الصالح قد لا يدخلها.
ما رأيك فى ظاهرة «محمد صلاح».. ولماذا لم يصب بأمراض المصريين التى نعرفها وتتحدث أنت عنها كثيرًا؟
الحقيقة أن محمد صلاح أثبت أن المصريين شعب غير مكتئب، بدليل أن كل مصرى بداية من أستاذ الجامعة حتى بائع الكشرى يتوحدون مع كل هدف يحرزه صلاح، ويشتركون فى إحساسهم بالنجاح بعد نجاحه، ثم إن محمد صلاح أعاد إلينا هويتنا ببساطته وأخلاقه وشكله المصرى، فالطفل الذى لعب بالكرة الشراب وشرب من الترعة وصل الآن إلى العالمية، وأبهر أطفال وكبار العالم كله، والأهم أنه فعل ذلك بعيدًا عن الشعارات السياسية التى أذابت الهوية المصرية على مدار سنوات ماضية، وهو فى ذلك فعل مثل زويل العربى المسلم الوحيد الذى حصل على نوبل فى العلوم.
لو قابلت محمد صلاح.. من أى شىء تحذره؟
صمت قليلا ثم قال.. «أنا هكشفلك سر بقوله لأول مرة»..
محمد صلاح زارنى فى هذا المنتجع منذ عام تقريبا عندما كان يلعب لنادى روما الإيطالى، وللتأكيد الزيارة كانت سببها حبه وإعجابه بى، وليس لأى سبب آخر.
القصة بدأت باتصال أحد أصدقاء أبو مكة بى، وقال لى إن محمد صلاح يحبنى جدا ويحب كتبى وقرأها، ويتمنى أن يزورنى فى المنتجع الطبى النفسى بمجرد نزوله لمصر، واتفقنا على ذلك فى نفس المكالمة، وبالفعل جاء زارنى، وجلس معنا ساعة ونصف تقريبا، وفوجئت يومها بثورة فى المنتجع، وترك كل أفراد الطاقم الطبى والتمريض أشغالهم، وجاءوا ليلتقطوا صورا مع صلاح، حتى المرضى أنفسهم جاءوا ليسلموا عليه، وفاجأنى هو بأخلاقه وهدوئه، ولا أعلم كيف منحنا كل هذا الوقت، لدرجة أنه التقط الصور مع الجميع ولم يرفض طلب أحد أبدا.
وما أهم ما لمسته فى شخصية محمد صلاح؟
مصريته التى لم تتلوث بطباع جديدة، شهامته، كرمه، حسن معاشرته، الابتسامة، تحمله للمسؤولية، إتقانه، انضباطه، تحمله فى سبيل النجاح، فهو يلخص كل ما يبغاه كل مصرى فى مجال عمله، ومن أجمل ما أعجبنى فيه أيضا انتمائه إلى جذوره وهويته، وحرصه على الالتزام بأسرته وقريته ومدينته ومحافظته، ووطنه.
تحدثت أيضا عن زويل كحاصل على جائزة نوبل.. لماذا لم تذكر البرادعى؟
«البرادعى رجل ضل طريقه»، ثم إنه حصل على نوبل فى السلام، وليس فى العلوم، وكان مجرد إدارى، وليس عالما بوكالة الطاقة الذرية، «ده راجل خريج حقوق مش عالم إطلاقا».
ألم يتعب «أحمد عكاشة» من ممارسة الكشف الطبى والتعامل مع المرضى النفسيين؟
«طبعا تعبت، ونفسى أبطل كشف على مرضى»، لكن للأسف كل المرضى الذين يأتون للمنتجع أو العيادة مصممون على أن أكشف عليهم بنفسى، «مببقاش عارف أعمل إيه»، لدرجة أننى أرفض 95% من المرضى وأرشح لهم أطباء آخرين وأقول لذويهم «لو استنيتوا دوركم فى الكشف عندى ممكن يكونوا انتحروا».
ما هو سر أحمد عكاشة فى مهنته؟
سر أحمد عكاشة هو أنى متوحد مع الطب النفسى، أنى أحب المريض النفسى، أحبه بالفعل، فأنا من البداية اخترت تخصص الطب النفسى، وأول من «نحت» كلمة المريض النفسى فى مصر، بعد ما كان يطلق عليهم «المجانين»، وأنا أول من انتقل بالطب النفسى من غرف الكشف والعيادات إلى ثقافة واسعة على شاشات التليفزيون والإعلام.
ألم يشعر أحد عكاشة ذات يوم أنه بحاجة لزيارة طبيب نفسى؟
أنا الآن أقرب إلى القبر أكثر من احتياجى للعلاج من أى مرض، وأصدقائى فى القبور أكثر من أصدقائى الأحياء، وأنا أؤمن باعتقاد أن الحياة مرض، ولذلك فالموت سيكون أول طبيب نفسى أذهب إليه لاستمع إلى نداء «يا أيتها النفس المطمئنة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة