كل من يتابع حجم التطور فى تكنولوجيا المعلومات، يكتشف بسهولة أن الدول الحديثة فى أوروبا أو حتى بعض الدول العربية تعمل فى الإدارة بنظام البيانات الثابتة، بمعنى أن كل مواطن له بطاقة واحدة تتضمن كل البيانات الخاصة به «أرقامه، أسرته، أبنائه، أملاكه، ضرائبه»، وكل هذا يتم بسهولة، وهناك برامج وتطبيقات يمكنها توفير كل هذا بشكل مريح لكل الأطراف، وبما يقلل من أعداد الأوراق والأختام والتوقيعات ويخفض من معدلات الفساد والإهدار.
عندنا كثيرا ما نسمع ونقرأ تصريحات عن الربط المعلوماتى بين قواعد المعلومات، وتابعنا خلال عقود، الكثير من الكلام عن الحكومة الإلكترونية والإتاحة المعلوماتية، ومع هذا مازلنا نغرق فى البيروقراطية والتعقيدات والثغرات المفتوحة تسمح بمرور الفساد والإهدار بشكل يصعب الإمساك به.
ومع أن التكنولوجيا تتيح لنا إمكانات واسعة يمكن أن تسهل حياة البشر وتقلل الروتين وتضبط الأداء، ما نزال بعيدين عن العصر بشكل يصعب تفسيره، نتعامل مع أوراق وأختام ونشكو من طوابير البيروقراطية، التى تضاعف من العذاب، وتفتح الباب للتزوير والتلاعب، فى التموين والدعم والعلاج.
وهناك قاعدة أن المعلومات والأرقام وحدها لا تكفى ما لم نوظف هذه الأرقام والإحصائيات، من خلال تطبيقات تحولها إلى خطوات عملية للتسهيل والتوفير، وعلى سبيل المثال فإن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء خلال السنوات الأخيرة يوفر أرقاما وإحصائيات تتسم بالدقة، ليس فقط عن التعداد ولكن عن حجم الأسر والريف والمدينة وأعداد المدارس والتلاميذ والمعلمين، وأعداد المستشفيات والأطباء والمرضى والمساكن والمحلات والأسواق، وكلها أرقام يمكن أن تصلح مادة خام تعمل عليها الوزارات المختلفة لرسم خططها والعمل من خلال منظومات واضحة للتقدم إلى الأمام.
وأتذكر مرة سألت مسؤولا كبيرا فى جهاز الإحصاء إذا كنا ننفق كل هذه الأموال على بيانات التعداد والإحصائيات عن البشر والمبانى والأنشطة، فلماذا لا نستفيد من هذه الإحصائيات؟ فقال دورى أن أقدم الأرقام والإحصائيات وعلى الحكومة أن تستفيد منها فى رسم سياساتها وبرامجها. وما نراه أن أيا من الجهات المختلفة فى الدولاب الرسمى لا تستفيد من هذه الإحصائيات والأرقام، ولا تعطى أهمية لها أو تتعامل من خلالها.
ما الذى يمنع من تطبيق أنظمة إلكترونية ومعلوماتية توحد بيانات كل مواطن فى بطاقة واحدة تحمل كل البيانات الخاصة به، وما يحصل عليه أو يحتاجه، وهو أمر ممكن ويطبق فى العديد من دول العالم منذ سنوات بعيدة. ولا يوجد ما يمنع من نقل تجارب الآخرين أو دراسة التجارب الناجحة منها.
سنوات وراء سنوات نسمع عن الحكومة الإلكترونية و«الربط المعلوماتى والإتاحة البياناتية والتنميط الترقيمى» ومع كل هذا لا نرى نتيجة ونظل نغرق فى البيروقراطية والأوراق والأختام.
يمكن لو تم تطبيق نظام إلكترونى واضح للتموين، أن تسهل عمليات التسليم والتوزيع وتمنع مليارات الجنيهات من التسرب والسرقة والتزوير، يوميا تزدحم صفحات الحوادث بحالات يتم فيها تزوير أوراق وبطاقات والحصول على ملايين من أموال الدعم، بسبب غياب منظومة تقنية واضحة. وما يقال فى التموين ينطبق على كل شىء.
وكل ما نحتاجه هو الإرادة وأن تأخذ الحكومة الأمر بجدية وتستفيد من عشرات البرامج والتطبيقات، التى يمكنها ربط البيانات وتوحيدها ليعرف المواطن ما له وما عليه. حتى نخرج إلى عصر المعلومات بالفعل وليس بالكلام.