يا أخى أنت تتعجب كلما شاهدت فيديوهات نادرة للقاهرة فى الخمسينيات والستينيات، صادفتنى مجموعة من الفيديوهات أرسلها لى صديق يهوى الصور والمقاطع النادرة تظهر فيها القاهرة مشرقة وبراقة رغم الثورات والحروب الخارجية والحصار والأزمات الاقتصادية وسياسات الحكم الاشتراكى آنذاك، يتحرك الناس فى شوارع وسط البلد وهم يظهرون احتراما كبيرا لإشارات المرور، وتظهر سيدات مصر وهن يرتدين ملابس عصرية لا تكلف فيها، ولا ادعاء للحشمة، أو تكلف فى أغطية الرأس، لم تكن القاهرة أقل من أى مدينة أوروبية، رغم الفجوة الاقتصادية الهائلة بيننا وبين أى بلد أوروبى فى هذا التاريخ، كل شىء منظم، وكل شىء نظيف، وكل الملابس عصرية، حتى الموظفون الذين يظهرون فى العديد من الفيديوهات وهم يتنقلون فى وسائل المواصلات العامة يرتدون البدلات الرسمية ورابطات العنق فى احترام مهيب للعمل، وفى تقدير مدهش للمظهر العام للموظف، ولشياكة الملابس فى الأماكن العامة.
تقاطعات الشوارع فى وسط البلد كانت محاطة بأسوار حديدية لحماية المارة على الأرصفة، ولتنظيم قواعد عبور الطريق، وإشارات المرور تضاء بانتظام، وبعض الشوارع بها مواقف خاصة بسيارات التاكسى، ومحطات الأتوبيس العامة تنعم بمظلات لحماية المواطنين من الشمس أو المطر، والأشجار تملأ الأرصفة الوسطى وجوانب الطريق.
تتأمل الفيديوهات وتتحسر على شكل القاهرة المرهقة والمعذبة الآن فى المرور والزحام وعدم النظافة والباعة الجائلين وغياب الخضرة، تتأمل وتتحسر، هل كنا شعبا آخر فى الخمسينيات والستينيات؟! هل تبدل الناس وتغيرت أخلاقنا وقيمنا فى الحفاظ على مدننا وثرواتنا وتحضرنا؟! كان الفقر هو الفقر، وربما كنا أفقر، وكانت المؤامرات هى المؤامرات، وربما كنا فى مرمى النيران على نحو أكثر سفورا على الصعيد الإقليمى والدولى، لكن الناس كانوا يراعون مدينتهم الأعظم «القاهرة» ويحافظون عليها، ويقدسون جمالها ونظافتها، هكذا تنطق الصور، وهكذا توثق فيديوهات القاهرة القديمة هذه الثقافة التى غابت الآن إلى الأبد.
لماذا تغيرنا؟
وهل يمكن أن نعيد هذه الصورة الحضارية إلى القاهرة؟
وهل يمكن أن تكون العاصمة الإدارية الجديدة فرصة لأن نعيد للعاصمة التاريخية مجدها ورقيها وتحضرها وسط مدن العالم؟
أقترح أن تقوم محافظة القاهرة بجمع هذه الفيديوهات وإذاعتها على كل لوحات الإعلانات التليفزيونية فى شوارع العاصمة، وأقترح أن تقوم القنوات التليفزيونية بمعالجة هذه الفيديوهات وإعادة بثها على الناس مع الأغنيات الوطنية بدلا من الصور الحديثة للقاهرة التى نلتقطها الآن بالكاميرات الطائرة من أعلى نقطة فى سماء القاهرة، حتى لا تظهر الأخطاء فى الصورة المقربة على الأرض، أظن أن الناس ستتعلم كثيرا من بث هذه الفيديوهات، وتتذكر أن هذا الشعب الذى حافظ على هذه المدينة، لتكون الأجمل والأعظم على خريطة العالم فى منتصف القرن الماضى لن يشق عليه أن يعيد لها مجدها الضائع من جديد.
أرجوكم شاهدوا هذه الفيديوهات والصور وانشروها ما استطعتم.
وأرجو من محافظة القاهرة أن تتحرك لاستثمار انتشار بعض هذه الفيديوهات والصور على الـ«سوشيال ميديا»، لتبدأ حملة استرداد القاهرة من جديد، والعبور بهذه العاصمة الأهم على خريطة العالم، من مستنقع القبح إلى قمة الجمال مرة أخرى.
مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة