فى هذه الأيام تمر ذكرى مجىء الحملة الفرنسية إلى مصر، والتى وصلت شواطئ الإسكندرية فى أول يوليو من سنة 1798، بقيادة الجنرال نابليون بونابرت، الذى قاد جيش الشرق، كما كان يطلق على الجنود الفرنسيين الذين جاءوا معه، فى واحدة من حلقات الصراع الدائر بين فرنسا والإنجليز.
ظلت هذه الحملة فى مصر ثلاث سنوات، حتى تحالف الإنجليز والعثمانيون، وأخرجوها مهزومة مستسلمة فى عام 1801 بعد موقعة شهيرة معروفة باسم «موقعة أبوقير البحرية»، المهم أن السنوات التى قضتها الحملة فى مصر ارتكبت فيها آثامًا كثيرة، وقضت على ثورات، واقتحمت مساجد، وصنعت فتنًا، وفى الوقت نفسه كشفت للمصريين طرقًا جديدة فى الحياة والعلم، وأنظمة جديدة فى الحكم واستخدام الأسلحة، لكن الغريب أن هذه الحملة يتم التعامل معها «برقة» أكثر من اللازم، حتى أن البعض يصل لدرجة التشكيك فى ولاءات المقاومة، التى لقيتها الحملة، معليًا من الجانب التنويرى الذى قامت به.
ومن غرائب الرأى، ما يثار دائمًا عن سليمان الحلبى، الذى كنا نتعامل معه بصفته بطلًا عربيًا قتل الجنرال كليبير، القائد الثانى للحملة بعد رحيل نابليون وعودته إلى فرنسا، لكن بالبحث نكتشف أن هناك مؤرخين، وعلى رأسهم الجبرتى، يرون أن سليمان الحلبى، الذى كان طالبًا فى الأزهر، إنما هو قاتل مأجور وشقى، ولا أعرف فى الحقيقة ما الذى تعنيه كلمة «مأجور» هنا، لكننى أعرف أن الجبرتى كانت له مصلحة شخصية فى قول هذا الكلام على سليمان الحلبى.
وهناك ما هو أخطر من ذلك، وهو ما يتعلق بحاكم مدينة الإسكندرية الذى واجه الحملة، السيد محمد كريم، الذى أعدمه نابليون، رغم استسلامه أو هزيمته، حيث يذهب البعض إلى مهاجمته، مؤكدين انتماءه للمماليك، مع أن المماليك فى ذلك الوقت كانوا جزءًا مهمًا من المجتمع المصرى.
وثالثة الأثافى، كما يقولون، هى أن التنوير الذى قامت به الحملة الفرنسية لم يكن مقصودًا، بمعنى أن هذا الجيش الذى جاء كى يقطع الطريق على بريطانيا فى صراع التوسع وفرض السيطرة على دول العالم، لم يكن فى أهدافه نشر الثقافة الحديثة فى مصر، وكل ما قام به هو عمليات استكشافية، نتج عنها كتاب «وصف مصر»، والمطبعة أتوا بها لخدمة مقاصدهم، وأما الدواوين وغير ذلك فكان الهدف منها تسهيل الحياة على أنفسهم.
أنا مدرك تمامًا للأثر الإيجابى الذى تركته الحملة الفرنسية، لكن يجب وضعه فى محله.. هو أثر جانبى لجيش محتل، لم يكن يعنيه الإنسان المصرى فى شىء، لكن لأن ظروفه «بها جزء كبير من الحداثة الأوروبية»، فقد انعكس ذلك بشكل طبيعى على الحياة المصرية بخيره وشره، لذا وجب أن نخفف من رومانسيتنا بعض الشىء.