منذ بداية الاستعداد لكأس العالم، ونحن نجتهد فى صنع مقارنات ظالمة بين شعوبنا وشعوب أوروبا، فى داخلنا شعور حاد بالنقص، وشعور حاد بالدونية نستعير من المستعمر نظرته الفوقية العنصرية وننظر بها إلى أنفسنا، ننطلق من قناعات القرون الوسطى، معتقدين أن الرجل الأبيض هو مثال الرجولة، والمرأة البيضاء هى آية الأنوثة، نستعرض صور الفاتنات الأوربيات فحسب، ونضعهن فى مقارنة مع القبيحات العربيات، نجتهد فى إبراز محاسن كل شعب، ونبذل قصارى جهدنا فى إبراز مساوئنا، موجة ممجوجة من صناعة الفيديوهات التى تستعرض أحسن الصور لكل الشعوب وأبشع الصور لشعوبنا العربية، نهزم أنفسنا بيدنا، بينما العالم لا يدرى بنا أننى لا أستطيع أن ألوم شابا يمتلك قناة على موقع اليوتيوب، ويريد أن يحظى بأكبر عدد مشاهدات ليجنى أكبر قدر من الإعلانات التى سرعان ما تتحول إلى دولارات، هذا الشاب يريد أن يكسب بأى شكل كان، وهو أخو الشاب الذى يمتلك صفحة على موقع التواصل الاجتماعى، ويريد أيضا أن يحظى بأكبر عدد من «الليكات»، لتنمو صفحة وتزدهر، ليدخل فى مرحلة جنى الثمار بنشر الإعلانات المدفوعة الأجر، ويتاجر بعدد معجبيه، فمن ناحية هؤلاء الشباب يعانون من ضيق ذات اليد، ولذلك لا يتورعون عن فعل أى شىء، ومن ناحية أخرى هؤلاء الشباب على قدر هزيل من الوعى والثقافة، فبالنسبة لهم أى شىء مباح ما دام هذا الشىء سيضاعف من معجبيه أو زائرى صفحته أو قناته، لكننى ألوم كل اللوم على هؤلاء الذين يسهمون فى ترويج منتجات هؤلاء الشباب بالتفاعل الإيجابى، ومشاركة هذه المنتجات ولو على حساب صورة مصر والوطن العربى التى أصبحت مادة جاهزة للسخرية والتريقة والاستهزاء والاستهانة.
تدرك الدول العاقلة أن صورتها لا تنفصل عن صورة شعبها، وتدرك المجتمعات العاقلة أن دورها هو الحفاظ صورتها بهية مشرقة، لكن للأسف هذا ما لا ندركه، وما لا نفعله، نسعى بكل ما أوتينا من قوة إلى تحقير شأننا بأيدينا، نكذب على أنفسنا تحت ادعاء الشفافية والمواجهة ونصدر كل الصور السلبية الحقيرة عن مجتمعاتنا، وفى الحقيقة نحن أبعد شىء عن القيم الفاضلة، وأقرب شىء إلى القطيع الذى ينساق بلا رؤية وبلا هدف، مع الاعتذار بالطبع للقطيع.
للأسف تلك الصور وتلك الفيديوهات تنتشر فى حياتنا بشكل يفوق الوصف، يتداولها الكبير والصغير، عديمو الثقافة ومحترفوها، وللأسف أيضا فإنها تسهم بشكل كبير فى إضفاء كآبة غير محدودة على حياتنا، لأنها ترسخ فى داخلنا أننا الأبشع والأحقر والأقبح، كما أنها تصدر صورة مستقبحة عن شعوبنا، وهى صورة بالضرورة غير صحيحة، لكنها تنعكس بشكل مهول على العديد من الأوجه الثقافية والاقتصادية، فتنعكس سياحيا، وتنعكس اقتصاديا، وتنعكس على مقدار شعبية الشعوب العربية بين العالم، وكما قلت لا أستطيع أن ألوم صانعى هذه الفيديوهات، لكننى لا أستطيع أن أتسامح مع من يروجونها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة