لماذا لا يرتدع الفاسدون، بالرغم من القبض على مئات المرتشين والمتلاعبين فى المال العام؟. كل يوم هناك قضية موظفين كبار يتم ضبطهم متلبيسن بالرشوة، رؤساء أحياء ومدن، موظفو تموين كبار ينهبون ملايين بأسماء بطاقات تموين وهمية، وأنواع مختلفة من الرشوة والفساد. يتم نشر القضايا فى الصحف والإعلام ومع هذا تتكرر عمليات الرشوة بنفس الشكل والمضمون. وبالطبع هناك عمليات فساد تتم وتنجح ويفلت الفاسدون بالغنائم الحرام. ونسبة الرشوة والفساد كبيرة بالفعل، ومنها حالات يطلب فيها المرتشى أموالًا سائلة وكمالة من الرشوة العينية، مثل رئيس الحى الشهير الذى طلب 100 ألف جنيه وشقة بمليون جنيه ليسمح بمخالفات تقترب من 20 مليون جنيه، وهو مرتشى بالنسبة المئوية، يحسب ما يتحصل عليه المخالف من ربح ويطلب نسبة يراها مناسبة.
ويظل السؤال لماذا لا يرتدع الفاسدون من سقوط زملائهم؟. بعض الفاسدين يتصورون أنفسهم من بين النسبة التى تفلت من الضبط والعقاب، وربما يكون إغراء الرشوة أقوى من ردع القانون، حيث يرى أن العقوبة أقل من حجم ما يحققه من كسب، وهو لايضع فى اعتباره حجم التجريس الذى يناله وأسرته، ولا الفضيحة التى يواجهها. ثم إن بعض المرتشين يسقطون بعد عدة مرات، وبالتالى فهو يكون رصيدًا، قبل أن يسقط نجح فى إخفائه، وهناك حيل للفاسدين يخفون بها العائدات الحرام.
فى فيلم رمضان فوق البركان اختلس «رمضان»، عادل إمام، 400 ألف جنيه، وكان صرافًا صغيرًا عاجزًا عن تلبية احتياجاته، اختلس الأموال وأخفاها وعندما تم القبض عليه اعترف ورفض إعادة الأموال، وتصور أنه أخفاها، وعندما واجهه الضابط ومن بعده وكيل النيابة والقاضى اعترف وقال لهم إنه يعرف القانون وأن عقوبة الاختلاس لا تزيد عن سنوات. وكلما واجهه الضابط بالاتهام يقول له «شوف شغلك يا بيه واعمل اللى عليك»، ويشرح له: محضر وتحويل للنيابة، التى تحبسنى على ذمة القضية ثم تحيلنى للمحكمة، والحكم لا يزيد عن 6 سنوات باعتبار أن رمضان سيخرج فى ثلثى المدة ليستمتع بالفلوس التى اختلسها.
بعدها افتتح شركة لتوظيف الأموال وجمع ملايين، وتم القبض عليه ورد بنفس الرد الإحالة للنيابة والمحكمة وسجن له حد أقصى.
وبالرغم من بساطة الفكرة إلا أنها تكشف فى جزء منها طريقة تفكير المختلس أو الفاسد، أنه يعرف أولها وآخرها.
نفس الفكرة تبدو مستمرة، وتعكس جزءا من طريقة تفكير قطاعات من المرتشين أو الفاسدين ولصوص المال العام، يعرفون أقصى عقوبة وأدناها، ومهما كانت لا تساوى أى نسبة من متعة المال المسروق من الناس. ويراهنون على ثغرات الإجراءات وشطارة الدفاع.
ويقدم هذا تفسيرًا لتكرار حالات من الفساد والرشوة، بالرغم من أن الفاسدين يعلمون أن الرقابة الإدارية تراقبهم، ويشاهدون زملاءهم فى الفساد وهم يتساقطون بشكل يومى، لايمثل هذا المشهد ردعًا ولا تخويفًا.
هل الحل فى تشديد العقوبات بشكل أكثر قوة؟، ربما يكون هذا جزء من العلاج، لكنه ليس الكل، هناك خطوات منها ما هو إدارى، ويتعلق بتطبيق النظم الحديثة والتقنيات التى تقلل من المواجهة المباشرة بين المواطنين والموظفين. وربما كان الأهم من كل هذا هو تبسيط الإجراءات المعقدة فى الإدارات المحلية وغيرها واعتماد بطاقة واحدة لكل التصرفات بشكل يحاصر المفسدين الذين لا يرهبهم العقاب ولا القبض على زملائهم.