"إيران ليست كوريا الشمالية".. هكذا كان الرد الصريح الذى أعلنه قائد الحرس الثورى الإيرانى محمد على جعفرى، ردا على الدعوة التى أطلقها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعقد قمة مع الرئيس الإيرانى حسن روحانى، دون شروط مسبقة، وهو التصريح الذى يظهر حالة من التعنت الإيرانى تجاه المبادرة الأمريكية، وذلك بالرغم من توسلات النظام الإيرانى للدول الأعضاء فى الاتفاقية النووية، منذ القرار الذى اتخذه الرئيس الأمريكى بالانسحاب من الاتفاقية فى مايو الماضى، وهو ما يمثل استمرارا للسياسات الازدواجية الإيرانية.
تصريحات جعفرى ليست الوحيدة على المستوى الرسمى، التى أعرب خلالها مسئولى طهران عن رفضهم، للعرض الأمريكى، فقد سار على نفس النهج بعض أعضاء البرلمان الإيرانى، وكذلك بعض الدبلوماسيين البارزين فى الساحة السياسية الإيرانية، إلا أن هذه التصريحات تطرح فى الوقت نفسه تساؤلات عدة حول ما إذا كانت مثل هذه الدعاية تمثل فى جوهرها الموقف الحقيقى للدولة الفارسية، أم أنها محاولة للضغط على الجانب الأمريكى فى المرحلة الراهنة بعد دعوة ترامب.
قرار حوثى.. ترجمة حقيقية للموقف الإيرانى
التزامن بين التصريحات الإيرانية المتمنعة، والقرار الذى اتخذته الميليشيات الحوثية فى اليمن بوقف كل العمليات العسكرية فى البحر الأحمر، من جانب واحد لمدة أسبوعين، قابلة للتمديد، ربما يعكس أن الموقف الإيرانى من الدعوة الأمريكية يحمل أبعادا تختلف تماما عن الدعايا العدائية التى تبناها نظام "الملالى" فى طهران تجاه مبادرة ترامب، خاصة وأن الميليشيات المتمردة فى اليمن هى أحد أهم أذرع طهران فى المنطقة.
ففى الوقت الذى أطلق فيه قيادات الحرس الثورى الإيرانى، تهديدات بوقف الصادرات النفطية عبر البحر الأحمر، ردا على تغريدات الرئيس الأمريكى على تويتر تجاه طهران، قامت الميليشيات الحوثية بترجمة تلك التهديدات عمليا على الأرض بالهجوم على ناقلتى نفط سعوديتين الأسبوع الماضى، وهو الأمر الذى قدم دليلا دامغا على تورط النظام الإيرانى فى كافة الأعمال العدائية التى قام بها الحوثيون ضد المملكة العربية السعودية وحلفائها فى منطقة الخليج طيلة الأشهر الماضية، على اعتبار أن تلك المواقف تمثل فى حقيقتها ترجمة للموقف الإيرانى الحقيقى من جيرانها العرب.
وبالتالى فإن المبادرة الحوثية الأخيرة ما هى إلا ترجمة حقيقية للموقف الإيرانى، الذى ربما يرى أن تصريحات ترامب تمثل فرصة نادرة لإحياء الأمال فى إخراج إيران من عزلتها المنتظرة، خاصة وأن قرار الميليشيات يهدف إلى تقديم رسالة ضمنية مفادها استعداد طهران للتوقف عن أنشطتها المثيرة للفوضى فى منطقة الشرق الأوسط، وتهديداتها المتواترة لجيرانها العرب، وهو ما يعد أحد أهم البنود التى يسعى الرئيس الأمريكى إلى تضمينها فى الاتفاقية الجديدة التى يريد إبرامها مع طهران.
الحوار هو الحل.. إيران تفشل فى إثارة الانقسام بين أوروبا وأمريكا
يبدو أن الحوار هو الطريق الوحيد أمام طهران للعودة من جديد إلى المجتمع الدولى، خاصة وأنها فشلت إلى حد كبير فى حشد المجتمع الدولى لتغيير الموقف الأمريكى من الاتفاقية التى أبرمتها مع القوى الدولية فى يوليو 2015، فعلى الرغم من حالة الانقسام النادرة بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين فى أوروبا، والذى كانت إيران جزء منه، بسبب الرفض الأوروبى للانسحاب الأمريكى من الاتفاقية، إلا أن المخطط الإيرانى ربما فشل بسبب التوافق الأمريكى الأوروبى حول خطورة الدور الإيرانى، والتهديد الذى تمثله طهران لأمن المنطقة سواء بسبب صواريخها الباليستية أو بسبب دعمها للميليشيات فى العديد من الدول العربية.
العلاقة بين ترامب وحلفائه التقليديين فى أوروبا اتسمت بالتوتر
ولعل صعود التيارات القومية واليمينية، فى العديد من دول أوروبا ساهم بصورة كبيرة فى حماية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من حالة العزلة الكاملة التى سعت طهران لاستغلالها من أجل الحفاظ على الاتفاقية النووية، والحصول على أكبر قدر من المزايا الاقتصادية من دول القارة لمجابهة العقوبات الأمريكية، إلا أن طهران فشلت فى ذلك ربما بسبب ظهور حلفاء جدد للولايات المتحدة فى أوروبا، على رأسهم إيطاليا، بالإضافة إلى الهيمنة الأمريكية على الشركات الأوروبية، وهو الأمر الذى تجلى بوضوح فى قرار العديد من الشركات الأوروبية بالانسحاب من السوق الإيرانية، خوفا من العقوبات الأمريكية، وهو ما يمثل صفعة قوية للاقتصاد الإيرانى المترنح.
دبلوماسية الدعاية.. "الشيطان الأعظم" وسيلة المتشددين لتقويض روحانى
يبدو أن النظام الإيرانى لم يعد قادرا على التخلى عن الدعايا المناوئة للولايات المتحدة، على الرغم من استعداده الكامل للتعاون معها فى العديد من الأصعدة، الأمر الذى تجسد فى التصريحات الأخيرة التى أدلى بها قطاع كبير من المسؤولين الإيرانيين منذ الدعوة الأمريكية، وهو الأمر الذى يأتى لخدمة أهداف سياسية فى الداخل أكثر منه مخاطبة المجتمع الدولى.
روحانى وخامنئى
دبلوماسية "الدعاية" الإيرانية تجسدت بوضوح إبان التوقيع على الاتفاقية النووية التى تم إبرامها برعاية الإدارة الأمريكية السابقة، فى يوليو 2015، والتى شاركت فيها القوى الدولية الكبرى، وهى روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، حيث واصل التيار المتشدد، والحرس الثورى فى إيران إطلاق الشعارات المناوئة لـ"الشيطان الأعظم" فى إشارة للولايات المتحدة، وذلك لتحقيق أهداف سياسية فى الداخل تتمثل فى مداعبة مشاعر المتشددين لتقويض شعبية الرئيس الإيرانى حسن روحانى، الذى ينتمى للتيار المعتدل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة