زمان، فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى كان العرب يفخرون دائما بقدرتهم على إلقاء إسرائيل والإسرائيليين فى البحر الذى أتوا منه متسللين خائفين، فاستوطنوا الأراضى الفلسطينية حتى قويت شوكتهم، وأعلنوا دولتهم التوسعية، ودائما ما كان قادة إسرائيل يحلو لهم استخدام المقولة العربية الشائعة ليبرروا طلبهم السلاح المتقدم من أوروبا والغرب كله، بما فى ذلك بناء القدرات التسليحية النووية مع فرنسا عدوة عبد الناصر اللدودة.
تغيرت الاستراتيجية الاستيطانية التوسعية لإسرائيل، خاصة بعد أن حلت الولايات المتحدة محل بريطانيا فى قيادة الغرب، ومع كل هزيمة سياسية أو عسكرية للعرب، كان الجشع الإسرائيلى يزداد تجاه الأراضى العربية، وما كانت تقبل به منذ عقود لم تعد تقبل به الآن، فمع هجوم السادات السلمى بعد نصر أكتوبر ونجاحه فى عقد اتفاقية كامب ديفيد، التى تتراجع بمقتضاها تل أبيب عن احتلال كامل أراضى سيناء، كان الشق الفلسطينى المقترح فى الاتفاقية أن تقوم دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو، وفق قرارات الشرعية الدولية، ولكن الفلسطينيين لم يسيروا فى ركاب السادات وفضلوا المزايدة مع دول الرفض!
ومن مبادرة السادات فى نهاية السبعينيات وحتى الآن جرت فى نهر السياسة العربية مياه كثيرة وتوالت الهزائم على المفاوض العربى وتهاوت الجامعة العربية، وأصبحت القمم الدورية مجرد بروتوكول بعد أن كانت إسرائيل تعمل لها ألف حساب، وكان أخطر الهزائم العربية هى انقسام الفلسطينيين أنفسهم بعد أن انقسم العرب معسكرات وأجنحة، ورأينا لأول مرة معسكر فتح فى رام الله ومعسكر حماس فى غزة وبينهما خلافات ودماء تغذيها حكومات إسرائيل المتوالية، سواء كانت من العمل أو الليكود أو ائتلافية، حتى أصبح دوام الانقسام الفلسطينى خطا أحمر بالنسبة لتل أبيب، فإذا توصلت الأطراف الفلسطينية إلى صيغة للتوافق والمصالحة، دفعت تل أبيب أذنابها إلى إفسادها وإذا ضج الفلسطينيون وطالبوا بالتوحد ومقاومة الاحتلال، قصف نتانياهو غزة، وإذا حاول الأوربيون دعم الخطط التنموية التى تربط غزة بالضفة الغربية عبر الممر الآمن، دمر الإسرائيليون الخطط الأوروبية.
الآن، إسرائيل تعمل فعليا على ضم مزيد من أراضى الضفة الغربية وضمها إلى كتل المستوطنات الكبرى، وإلى قطع أى روابط جغرافية أو بنية تحتية يمكن أن تربط غزة بالضفة مع فرض حصار شامل برى وبحرى وجوى على غزة والأهم هو رفع شعار «إلقاء غزة فى البحر».
تل أبيب تريد اختزال القضية الفلسطينية فى غزة، كما تريد التهام كامل أراضى الضفة الغربية وأسرلة عدد من السكان الفلسطينيية وطرد من يستعصون على القرارات إلى غزة، والبحث عن راع دولى لتلك البقعة القاحلة المزدحمة من السكان، من خلال السعى لشراء قطع أراضٍ إضافية لها من دول الجوار أو تسخين المنطقة بحرب دموية تجلب التعاطف للفلسطينيين فى غزة وتدفعهم للهروب واللجوء للدول المجاورة، إجمالا، أصبح مشروع السلام إسرائيليا أمريكيا، فأصبح المشروع صفقة بدلا من الحق، وأصبح قانونه التجارة بدلا من القانون الدولى، وما يتحدثون عنه من «صفقة القرن» لا يعدو أن يكون تقديم حوافز نقدية للفلسطينيين ومحاولة شراء قطعة أرض تضاف إلى غزة مع التسليم بأن معظم أراضى الضفة الغربية قد ذهبت مع الريح إلى إسرائيل مع احتفاظ تل أبيب بالسيطرة على القدس وإعادة طرح أبو ديس عاصمة للدولة الفلسطينية!
وللحديث بقية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة