بعد فشل المفاوضات الأمريكية مع نظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لإطلاق سراح القس الأمريكى، أندرو برانسون، المعتقل لدى أنقرة بتهم تتعلق بالإرهاب والتأمر مع رجل الدين المعارض عبد الله جولن الذى يتهمه أردوغان بالوقوف وراء محاولة الإطاحة به، تعقدت العلاقات بين البلدين وباتت تركيا تواجه عواقب خطيرة سرعان ما عصفت باقتصادها.
فلم يكن من المتوقع قبل أسابيع قليلة، أن تنضم تركيا إلى قائمة الدول الواقعة تحت عقوبات أمريكا بسبب سلوكها، فالاقتصاد التركى، الذى عانى ضعفا خلال السنوات الماضية أصبح أضعف من ذى قبل مع فرض واشنطن عقوبات طالت صناعة الصلب والألومنيوم التركية من خلال مضاعفة التعريفة الجمركية الخاصة بها والتى هدد ترامب برفعها مجددا بنحو 20٪ على الألومنيوم و50% على الصلب.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز فى افتتاحيتها، اليوم السبت، إنه فى ظل تآكل سيادة القانون فى تركيا وتوسع ديكتاتورية أردوغان على حساب الديمقراطية وتحت العقوبات الأمريكية، يزداد الاقتصاد التركى ضعفا، وبعد أن فرضت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عقوبات على وزيرى العدل والداخلية وإعلانها عن التعريفات الجديدة، انخفضت الليرة بالفعل بنسبة أكثر من 20% لتسجل 5.90 أمام الدولار، وهو مستوى قياسى، ولم يتوقف تأثير ذلك على الداخل بل ألقى بظلاله على الأسواق المالية العالمية.
وأكدت الصحيفة، أن لدى الولايات المتحدة مزيد من النفوذ الاقتصادى لاستخدامه ضد أردوغان، خاصة إذا كانت تركيا، كما يتوقع البعض، تحتاج إلى حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولى، وهى المنظمة التى تمتلك واشنطن فيها حق النقض، وإذا استمرت التوترات فى التصاعد، تتساءل الصحيفة ما الذى سيبقى من هذه العلاقة الثنائية الحيوية، وهل سيتمكن ترامب وأردوغان من إصلاحها؟.
ومرة أخرى، يثير تاريخ تركيا مسألة ما إذا كان الحكم الدينى يمكن أن يتعايش مع الديمقراطية، ليس فقط الديمقراطية كما تتجلى فى الانتخابات ولكن الديمقراطية الليبرالية، بقيمها الأساسية المتمثلة فى المساواة وحرية الصحافة والكلام والدين.
وترى صحيفة "ذا ستار" الكندية، أن التوترات المتصاعدة بين البلدين كشفت عن المشكلات الاقتصادية طويلة الأمد فى تركيا فى ظل حكم أردوغان، والنتيجة كانت هزة فى الأسواق المالية وخاصة للعملة التركية المحلية، وبمعاقبة الليرة، التى تراجعت أكثر من 40% على مدار العام الماضى، بات المستثمرين يفتقدون الثقة فى فريق الإدارة الاقتصادية لأردوغان، بما فى ذلك صهره.
ويقول خبراء، إن تركيا تحتاج منذ وقت طويل لرفع أسعار الفائدة وإبطاء اقتصادها إلى وتيرة أكثر استدامة وجذب رؤوس الأموال الأجنبية ووقف ضعف الليرة، الأمر الذى يجعل من الصعب على المقترضين الأتراك سداد القروض بالدولار، ومع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، يتدفق رأس المال إلى الولايات المتحدة مرة أخرى مما يجعل تركيا معرضة للخطر أكثر من معظم الأسواق الناشئة الأخرى، ويعود ذلك بشكل رئيسى إلى أن أردوغان ركز لسنوات على دفع النمو مدعومًا بالائتمان الرخيص.
وقال آرون ستاين، وهو خبير تركى وزميل كبير فى المجلس الأطلنطى، إنه برفض تغيير مسار خطته الاقتصادية فإن الرئيس التركى يمارس لعبة خطيرة مع الأسواق المالية الدولية، مضيفا "هذه مهمة انتحارية. أردوغان لن يفوز فى هذه الحرب."
وأشارت بعض التقارير إلى أن تركيا كانت تحاول استغلال قضية برانسون للحصول على فتح الله جولن، وهو رجل دين تركى يعيش فى ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وألقى أردوغان باللوم عليه فى محاولة الانقلاب عليه عام 2016، وينفى جولن تورطه، وتقول الحكومة الأمريكية إنه ليس لديها أى دليل يبرر تسليمه.
وتسعى تركيا أيضا إلى إطلاق سراح مصرفى تركى، هو محمد هاكان أتيلا، الذى أدين أمام محكمة اتحادية أمريكية فى مايو الماضى بتهم خرق العقوبات المتعلقة بشراء النفط الإيرانى، وقد حكم عليه بالسجن لمدة 32 شهرًا.
وخلال قمة حلف شمال الأطلسى "الناتو"، الشهر الماضى، كان يعتقد أن أردوغان وافق على إطلاق سراح برانسون مقابل مساعدة أمريكية فى تسهيل إطلاق سراح مواطن تركى تحتجزه إسرائيل، وهو ما حدث فى غضون أيام، وبدلاً من الإفراج عن القس الأمريكى، أصر الأتراك على إطلاق سراح المسئول المصرفى أولا.
وتقول نيويورك تايمز، إن الأثر الكبير للعقوبات الأمريكية عكس المخاوف المتفاقمة بشأن إدارة أردوغان، الذى أعيد انتخابه فى يونيو مع سلطات شبه استبدادية، كما أنها زادت من خطر المشاكل فى تركيا، فعلى الرغم من أن اقتصاد تركيا يقع فى المرتبة السابعة عشر فى العالم ، لكن مشاكله تزداد سوء.
وهناك أيضا مخاوف واسعة النطاق بين المستثمرين الأجانب من أن حكم أردوغان الاستبدادى والشعبوى ينتهج سياسات اقتصادية غير مسؤولة، ويقوض استقلال البنك المركزى، ويخشى المحللون أن يمنع هذا البلد من اتخاذ الخطوات الضرورية لوضع الاقتصاد على أساس أكثر استقرارًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة