"ما فشلوا فى تحقيقه عبر التحريض ومحاولة الانقلاب، يحاولون تنفيذه الآن بالمال عن طريق شن حرب اقتصادية"، هكذا خرجت تعليقات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، فى تعليقه على حزمة جديدة من العقوبات، أعلنتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، على خلفية الرفض التركى لإطلاق سراح القس الأمريكى أندرو روبنسون، والذى اعتقلته أنقرة باتهامات تدور حول مشاركته فى التحرك العسكرى الذى استهدف إسقاط نظام أردوغان قبل حوالى عامين، هو ما يعكس طبيعة الدبلوماسية التى يسعى الرئيس التركى وحلفاءه لاستخدامها لحشد التأييد الدولى ضد خصومه.
ولعل الاستخدام التركى للفظ "الانقلاب" ليس بالأمر الجديد دبلوماسيا، حيث كان التحرك العسكرى للإطاحة بأردوغان قبل عامين بمثابة ذريعة لابتزاز المجتمع الدولى، بحيث يتمكن الديكتاتور العثمانى من إحكام قبضته على مقاليد الأمور فى الداخل، من خلال شن حملات لاعتقال المعارضين وإغلاق الصحف، وقمع الأصوات المخالفة له، بينما يبتز القوى الدولية الكبرى باستخدام نفس الذريعة وذلك إما للحصول على دعمهم دبلوماسيا وعسكريا، أو ماليا أو على الأقل لضمان صمتهم تجاه الانتهاكات الكبيرة التى يرتكبها نظامه فى الداخل.
بين جولن وروبنسون.. اختلفت الأسماء والجنسيات والهدف واحد
ربما كان الحديث عن الدور المزعوم الذى قام به فتح الله جولن، والذى يعيش على الأراضى الأمريكية، فى تدبير التحرك العسكرى الداخلى ضد أردوغان، هو أول علامات سياسة الابتزاز التى مارسها النظام التركى، للضغط على واشنطن، لتسليمه إلى أنقرة، حتى وصل الأمر إلى اتهام صريح من قبل النظام التركى للإدارة الأمريكية السابقة، بالتورط فى دعم هذا التحرك، وذلك بالرغم من العلاقة الاستراتيجية التى جمعت نظام أردوغان بالرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
فتح الله جولن
ويبدو أن اتهامات أنقرة لواشنطن بالتورط فى دعم محاولة إسقاط أردوغان، لم تكن كافية لدفع الولايات المتحدة لتسليم المعارض التركى ورجل الدين الإسلامى البارز، خاصة وأن النظام التركى فشل فى إيجاد دليل يثبت فيه تورط جولن فى تلك المحاولة، فكان القبض على القس الأمريكى بنفس الاتهام هو بمثابة وسيلة أخرى لابتزاز الإدارة الأمريكية، ولكن دون جدوى.
"الحرب الاقتصادية".. أردوغان يسعى لكسب الدعم فى الداخل والخارج
إلا أن تطور الأزمة بين واشنطن وأنقرة مؤخرا، على خلفية الرفض التركى للإفراج عن القس المعتقل وإعادته إلى بلاده، ربما ألهمت الديكتاتور العثمانى إلى تطوير مظلوميته، ليبتكر مصطلح جديد، وهو "الحرب الاقتصادية"، والذى يهدف إلى إسقاط النظام عبر تضييق الخناق عليه اقتصاديا، وهو ما يمثل امتدادا لسياسة الابتزاز التى يحاول أردوغان انتهاجها عبر الترويج لنفس نظرية المؤامرة، التى سعى لاستخدامها من قبل لتحقيق أكبر قدر من المكاسب عبر نزاعه مع الولايات المتحدة.
مظاهرات فى تركيا
ظهور مفهوم "الحرب الاقتصادية"، والذى تروج له الصحف التركية وبعض أنصار جماعة الإخوان الموالين لأنقرة فى الأيام الماضية، يمثل فى جوهرة محاولة لاحتواء الغضب الداخلى، جراء الانهيار الذى تشهده الأوضاع الاقتصادية فى تركيا فى المرحلة الراهنة، والتى قد تشهد تفاقما غير مسبوقا فى الأيام المقبلة، بعد العقوبات الجديدة التى أعلنتها واشنطن، إلا أنها فى الوقت نفسه تستهدف تحقيق بعض المكاسب الدبلوماسية، من خلال تعميق الفجوة بين الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالى الفوز بتعاطف دول القارة العجوز.
ولعل محاولات أردوغان فى مغازلة أوروبا قد بدت واضحة فى تصريحاته الأخيرة، أمام حشد من مؤيدية بولاية طرابزون حيث أكد أن حكومته سوف ترد على من يشن حربا تجارية ضد العالم كله وجر بلاده فيها، فى إشارة للتوتر الحالى بين واشنطن وحلفائها فى أوروبا على خلفية التعريفات الجمركية التى فرضتها إدارة ترامب على عدد من الدول الحليفة فى الأشهر الماضية.
دبلوماسية الدعايا.. أنقرة على خطى طهران
يبدو أن دبلوماسية الدعايا التى يتبناها نظام "الملالى" فى إيران كانت ملهمة إلى حد كبير فى التعامل التركى مع الأزمة الراهنة، حيث سعى أردوغان إلى انتهاج نفس النهج الذى سبقته طهران فى استخدامه، عبر التصريحات المعادية لواشنطن، والتلويح بورقة الغرب الأوروبى، من أجل تعميق الخلافات بين واشنطن وحلفائها، وبالتالى وضع الولايات المتحدة فى خانة العزلة.
أردوغان وروحانى
كانت إيران أول من دافعت عن تركيا فى وجه الموقف الأمريكى، حيث أعلن وزير الخارجية الإيرانى، جواد ظريف وقوف بلاده إلى جانب تركيا، بعد العقوبات الجديدة التى فرضتها إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، على أنقرة، معتبرا ان الموقف الأمريكى هو استمرارا لسياسة الغطرسة التى تتبناها واشنطن فى مواجهة الدول الأخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة