يخاطب كتاب "المعانى العلوية للعمارة الإسلامية"، للدكتور مصطفى حسن البدوى، والصادر عن دارى الأصول والنور، روح الفن المعمارى الإسلامى فى زمن طغى فيه الجمود على كل شىء وصار الأمر كله يندرج تحت المصلحة حتى باتت القيم الأخلاقية والروحية للفنون الجمالية تسير نحو الاندثار السحيق الذى هوى بنا إلى قاع الانحطاط فى الأذواق.
يشرح مؤلف الكتاب أن لكل عمل فنى إسلامى ثلاثة أبعاد ضرورية لا يكون العمل إلا بتكاملها، وهى البعد النفعى، والبعد الجمالى، والبعد المعنوى أو الروحى، ولذلك فالربط بين الشكل والمعنى ليس الغرض منه تنبيه المعماريين فقط، ولكن كل من يدخل مسجدا ويريد أن يعرف كيف أن كل عنصر من عناصر المسجد يذكر المصلى بالله واليوم الآخر.
ويستعرض الكاتب، لو بدأنا بالعودة إلى المعانى المودعة فى العمارة الإسلامية فى بناء المساجد أولا والمبانى العامة قبل المبانى السكنية سوف يكون ذلك مكسبا كبيرا، والكلام هنا على تفهم المعانى والالتزام بها وليس بتقليد الطراز المملوكى أو العثمانى أو الغربى، فالتجديد فى الطراز ضرورى ولكل عصر طرازه، ولكن الذى يجب التمسك به الثوابت االدينية الروحية التى لم تتغير عبر العصور بالرغم من تغير الطراز تبعا للزمان والمكان، أما عن المساكن فبالطبع الالتزام بالمنهج الإسلامى يؤدى إلى الراحة النفسية، وتذكر الله والجنة، والوسط المحيط كلما كان إسلاميا كلما كان تربية الأطفال فيه وحمايتهم من مصائب الزمان أسهل.
فعلى سبيل المثال كلما دخل الإنسان إلى مسجد السلطان حسن بالقاهرة، ومشى فى الممر الطويل المظلم، ثم خرج إلى الصحن، غمرته الشمس فجأة بأنوارها التى تخطف الأبصار، وأشرق عليه معنى الخروج من الظلمات إلى النور، والظاهر، مما سمعناه من المعماريين أن هذا الإحساس القوى الحاسم مقصود بعينه، إذ أن المهندس الذى صمم الممر والصحن، وجعل المنارة تظهر فوق الصحن والقبة التى تتوسطه عند الخروج من الباب الذى بآخر الممر، لم يفعل ذلك إلا لإثارة هذا الانطباع فى مخيلة ووجدان المصلى الداخل إلى المسجد.
وأوضح الكتاب أن هناك لمسة جمالية جديدة يمكن إضافتها إلى مفهوم العمارة الإسلامية فى المساجد من خلال النظر إلى الفن الإسلامى عامة على أن هدفه المعنوى الأول التذكير بالله والآخرة، حينئذ ندرك أن النافورة إشارة إلى عين السلسبيل التى تتوسط الجنة، وحينئذ تشير الأعمدة بداهة إلى أبواب الجنة الثمانية، وحيث إنه من المعروف أن الجنة سقفها العرش، وتكون القبة التى تعلوها إشارة إليه. فإذا أردنا أن نؤكد أن هذه المعانى مقصودة بذاتها نظرنا إلى الماضى المشابهة فى مشارق الأرض ومغاربها، فوجدنا أن النافورة التى تعلوها قبة محمولة على ثمانى أعمدة - وليس على أربع أو ست - إنما هو نموذج متكرر عبر الأزمنة والأمكنة.
ويلقى الكاتب الضوء على المصلى قائلا، إنه إذا كان المصلى يستحضر ربه - عز وجل - فى قبلته الممثلة فى المسجد بالمحراب، وكان الله - عز وجل - نور السموات والأرض، كان من البديهى أن يدرك المسلمون أن نوره ونور الإيمان به يشرق على المؤمن من المحراب، ولذلك كثيرا ما نرى محاريب المساجد عليها صورة إشراق أنوار الإيمان واليقين على هيئة آشعة الشمس التى توحى للناظر بمثل هذه المعانى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة