- توظيف الخطاب الدينى سياسياً لعب بالنار يحرق من يقترب منه
- لا نساوى بين خلع الحجاب والكبائر كالزنا.. ومن خلعت حجابها «آثمة» ولكننا لا ينبغى أن ننصب لها المشانق
- «اشمأززت» من الحملة على زواج معز مسعود فالرجل تزوج «وأنتم مالكم؟»
- أؤمن بالتعايش مع الشيعة القائم على الاحترام والأخوة الإنسانية والإسلامية
- الضجة التى تحدث كل عام حول تهنئة الإخوة من الأديان الأخرى بأعيادهم «تهريج»
- نشر الشائعات يدل على ضعف الحجة وفقد القدرة على الإقناع ويستهدف الاغتيال المعنوى
ظهرت مؤخرا موجات من الإلحاد.. البعض يرى أنها موجات غربية تهدف إلى زعزعة استقرار العالم الإسلامى.. بينما يرى البعض أنها قلة وازع دينى، وإن كان ذلك صحيحا فهل هناك مسؤولية على رجال الدين؟
- لست من النوع الذى يحب التركيز على المؤامرات الخارجية، رغم أننى أؤمن بوجودها، فقضية المؤامرات الخارجية ليست من مهمتى بل من مهمة الأجهزة المعنية المسؤولة عن مواجهة هذا النوع من الخطر، وما يعنينى هو الإنسان الذى يتأثر بهذه التساؤلات أو التشكك أو الإلحاد، فهو قد عبر عن قناعة منافية للإيمان والاعتقاد الصحيح، ومنافية لكل ما هو موجود ومتوارث بالمجتمع، والسؤال: هل ينطق عن قناعة؟ وهل كانت لديه أسئلة لم يجد من يحسن الإجابة عنها؟ وهل ما يطرحه نابع عن قراءة مستوعبة واعية لأسئلة ومباحث فلسفية استجدت ولم نحاول فى بيت الخطاب الشرعى تناولها على النحو المقنع؟ أم أنه يوجد إلى جانب هؤلاء من يعيش حالة نفسية من ردة الفعل فى ظل البشاعة والتطرف الذى ظهر باسم الدين قولا وفعلًا؟
- ومع تخلف مجتمعنا عن التقدم التقنى الذى يشهده العالم: هل وُجد من يظن أن ما حدث فى أوروبا لن يحدث فى مجتمعنا ولن نتقدم إلا حينما يغادر الدين الحياة؟
وبالتالى هناك نوعان من الإشكاليات:
عطفًا على ما ذكرت من أن الخطاب الشرعى فيه مشكلة، ذكر الدكتور نصر حامد أبوزيد، أن النسخة المقدمة من الخطاب الشرعى ليست صالحة لكل زمان ومكان، كيف ترى ذلك؟
- رحم الله الدكتور نصر حامد أبوزيد، فقوله: «إن النسخة المقدمة من الخطاب الإسلامى ليست صالحة لكل زمان ومكان» عبارة مبهمة، وتحرير المصطلحات أحد تحديات العصر، فهى تعانى من الإشكالات الثلاثة: التعويم والتعتيم والتعميم، فإن كان المقصود بقوله: «النسخة المقدمة من الخطاب الشرعى» هو المنهجية المعتمدة فى الاستنباط من النص.. فكلامه غير صحيح، وإن كان المقصود هو آلية تفعيل المنهجية ومخرجاتها فى المسائل المبنية على علل متغيرة أو المسائل المستجدة فكلامه صحيح.
هل يمكنك ضرب مثال على المسائل ذات العلل المتغيرة؟
- مثلًا الضجة التى تحدث كل عام حول تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم، وما نسمعه من تهريج وتجريح ونزاع غير مبرر، إن العلماء والفقهاء الذين حرموا تهنئتهم فى أعيادهم منذ قرون بنوها على حجة صحيحة بالنسبة لزمانهم فقد عللوا بالعرف السائد، فالثقافة السائدة والعرف الحاكم فى زمانهم هو اعتبار التهنئة إقرارًا على موضوع التهنئة وهى هنا متصلة بالعقيدة، لذلك لم يكن المسجد يهنئ الكنيسة، ولم تكن الكنيسة تهنئ المسجد، ولكنها علة، أى سبب، متغيرة، فلم يعد فى العرف السائد يُنظر إلى التهنئة على أنها إقرار بالمعتقد، بل هى نوع من البر وحسن الجوار؛ فالكنيسة تهنئ المسجد دون أن تُقر بالمعتقد الخاص به، وكذلك المسجد يفعل مع الكنيسة، فمفهوم التهنئة ودلالتها متغيرة من عصر إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، وعليه فينبغى عدم التردد فى إعادة النظر فى الفتوى المترتبة على العلل، وإن تباطؤ المؤهلين عن إنجاز مهمة التوعية بذلك أتاح المجال لغير المؤهلين لاقتحام الأمر وإحداث فوضى الفتوى.
هل تجديد الخطاب الدينى دعوة سياسية أم ضرورة دينية؟
- التجديد فى الشريعة فرض كفاية، وكلمة «مقتضى سياسى» ليست دائمًا سيئة؛ فالتجديد مطلب سياسى محترم شريف يتعلق بمسؤولية الحفاظ على البلاد والعباد، والشىء الذى يعيب المطلب السياسى فقط هو عندما يكون بمعنى توظيف الخطاب الدينى فى لعبة التوازنات السياسية، فهذا لعب بالنار يحرق من يقترب منه؛ التجديد مطلب شرعى، ونعمل على الإسهام فى رؤية متبصرة له منذ 12 سنة فى مؤسسة طابة فى أبوظبى ومصر، وتوصلنا إلى أن التجديد إما أن يكون متعلقًا بالمنهج أو بالوسائل؛ وفى المنهج نحتاج إلى تجديد من نوع الصناعة الفكرية الثقيلة، وهى تجديد النموذج المعرفى الذى تعطل تجديده منذ ما يقرب من 4 قرون؛ فتحولنا إلى أمة مستهلكة فكريًا، بعد أن كنا أمة منتجة فكريًا، قائلًا: إنه يوجد عدة مباحث ينبغى العمل على تجديدها، مثل: تجديد وسائل إثبات حُجية مصادر المعرفة، ومنظومة القيم والمبادئ الأخلاقية، وترتيب العلوم وغيرها.
أى الشروط ينبغى توافرها فى المجدد؟
- التجديد فى المسائل الفقهية يحتاج إلى اجتهاد، وله شروط شرعية، وهناك معايير هى التى تحدد التخصص والكفاءة فيما يتعلق بأصول الفقه واللغة وتخريج الفروع على الأصول، وهناك شرط المَلَكة الفقهية أو العقلية الفقهية الناضجة الناتجة عن تراكم تجربة واكتمال معارف، مع قدر من معرفة الواقع يمكّن المجتهد من التواصل مع أصحاب الاختصاص المطلوب فى معرفة الواقع، أما مسألة النتاج الذى يترتب على العملية التجديدية فهو جهد بشرى قابل للخطأ أو الصواب، ويقوّم المختصون مدى مناسبة هذا النتاج للواقع ومنهجية الشرع فى الحكم عليه.ما رأيك فيما يسمى بأسلمة العلوم؟
- أسلمة العلوم محاولة حدثت فى القرن الماضى، وهى محاولة تشتمل على إيجابيات وسلبيات، والذى يؤخذ على هذه المحاولة أنها ارتكبت خطأ عندما لم تبدأ بالنموذج المعرفى وقفزت مباشرة إلى الواقع، مما أنتج نماذج مشوهة، فما سمى بالإدارة الإسلامية على سبيل المثال انتشر الاهتمام بها، وقام البعض بعمل دورات ومؤتمرات عن الإدارة الإسلامية، ولكن ما قدم فيها لم يكن نتاجًا لرؤية نابعة عن نموذجنا المعرفى، بقدر ما كانت إعادة إنتاج للإدارة الرأسمالية المتوحشة مرتدية جلبابًا إسلاميًا مرصعًا بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والأقوال المأثورة.
هل الإعجاز العلمى فى القرآن علم؟ خاصة وأن البعض تمادى فى الحديث حوله؟
- القرآن الكريم هو كتاب يوجهنا لمنهجية ربانية اشتملت على الأخذ بأسباب العلم والتدبر وليس كتابًا لنتائج العلم التجريبى، ولكن القرآن به ملامح إعجاز علمى ولغوى وذوقى وأخلاقى ومختلف أنواع الإعجاز، وقد أودع الله فيه نظرة واعية للكون، والخروج من ضيق الدنيا إلى سعة ما عند الله فى الآخرة، ولكن ما حدث خلال الثلاثين عاما الماضية باسم الإعجاز العلمى فى القرآن فيه ما كان حقيقيًا، وفيه الكثير من «الإسفاف» ومحاولات إلى دلالات الآيات القرآنية، فهذا وإن حدث بحسن نية إلا أنه مرفوض، وتترتب عليه نتائج وخيمة، وهى تجربة قاسية وينبغى التعلم منها، متابعًا: "لا أنفي وجود ملامح من الإعجاز العلمي في القرآن، شاب هذا الأمر تهور في التعامل معه، المشكلة في منهجية التعامل مع هذا الأمر، فوجد التهور في تطبيق ذلك على الواقع العلمي."
مؤخرًا حدث أنه تم أخذ قرنية أحد المتوفين دون وصية، الإشكالية: ما الحكم الشرعى؟
- دار الإفتاء المصرية أجازت نقل الأعضاء من الميت أو التبرع من الحى وفق ضوابط شرعية، ولكن القصة هنا هى قصة سرقة ونهب وجريمة إنسانية محرمة يجرمها القانون، فكيف تحولت القضية فى الإعلام من قضية إجرام إلى «عركة مع المشايخ»، نحتاج إلى المزيد من النضج فى تغطية الأخبار، كما أننا بحاجة إلى جدية أكثر على جميع الاتجاهات، الحكاية ليست سبقا صحفيا، فهذا شىء جاد، لأنه سرقة عضو إنسان، والكلام هنا مع القانون وليس مع الشيخ «السوبرمان» الذى يجيب عن كل شىء.
ما حكم النقاب؟
- جمهور أهل السنة والجماعة بينوا أنه ليس بفرض، فهو حرية شخصية، على سبيل المثال واحدة من البنات منتقبة وواحدة ليست منتقبة، ولا أستطيع أن أقول لهما شيئًا، ولكن الإشكالية فى المتطرفين الذين يحاول أحدهما فرض المذهب القائل بوجوب النقاب على الجميع، ويتفاعل الآخر بالسخرية من المنتقبة وتحقيرها، ولا يوجد احترام لدى من يقول عن المرأة المنتقبة:«خيمة!»، هذا التطاول فيه تخلّف، وهو يناقض ما يدعيه هؤلاء من الدعوة إلى حرية المرأة واحترام حقوقها، أود أن أرى المرأة التى اختارت أن تنتقب تسير وهى محترمة وعزيزة فى مجتمعها، والمرأة التى اختارت ألا تنتقب تسير محترمة وعزيزة فى مجتمعها، والمرأة التى لم تتحجب تسير محترمة وعزيزة فى مجتمعها، رغم أنها خالفت الشريعة وارتكبت حرامًا ولكنها ليست كالكبائر العظيمة.
وانتشرت مؤخرًا ظاهرة خلع الحجاب، البعض يقول: إن خلع الحجاب يتبعه سفور مبالغ فيه، بينما البعض يتباهى بخلع الحجاب فما رأيك؟
- الكلام عن توصيف من خلعت الحجاب بأن غالبهن يتجه إلى السفور المبالغ فيه يفتقر إلى سبر وإحصاء، كما يجب أن نفرق بين الحكم الشرعى وبين الحكم على الإنسان، فنحن لسنا أربابًا فى الأرض نحكم على البشر، فمن ثبتت على غطاء رأسها واحتشامها بارك الله فيها لالتزامها أمر الله فى ذلك، ومن لم تثبت فقد عصت الله تعالى فى ذلك، ولكن لا ينبغى أن ننصب لها المشانق، وحالة الوعى التى تلتزم فيها المرأة بتغطية رأسها ومدى قناعتها بذلك لها أثر على استمرارها فى الحجاب أو خلعه، وهذا لا يبرر خلع الحجاب، فالله سبحانه وتعالى سيحاسبها على ذلك لأنها أخطأت، ولا ينبغى المساواة بين خلع الحجاب والكبائر الشنيعة كالزنا، وعلينا أن ننصحها بطريقة حسنة مهما قبلت النصيحة، ولولا تقصيرنا فى التربية منذ الصغر لم نتعرض لذلك، وأما التباهى بخلع الحجاب فهو، إن وُجد، خطر عظيم لأنه تجاوز للمعصية إلى التباهى بمخالفة أمر الله، وفى ذلك سوء أدب مع الله تعالى.
كيف نعالج مشكلة الغفلة فى الصلاة ؟
- نحتاج إلى تغير النظرة إلى الصلاة من كونها حملاً ثقيلاً على الظهر لتجنب الدخول إلى النار فحسب، إلى تذوق أنها موعد لقاء مع الحبيب، ومحاولة الحضور مع الله فى الوضوء، وعدم الحديث مع الآخرين خلال الوضوء، وأن يذكر الله ولو لفترة قليلة قبل الإقامة، وجمع كل ما يستطيع الإنسان من حضور لحظة التكبير والإحرام، وأن يستشعر أنه فى جهاد فى سبيل الله ما دام يجاهد نفسه.
ماذا عن الخلاف المذهبى الذى تشهده المنطقة بين السنة والشيعة، وما رأيك فى مسألة التقارب؟
- أؤمن بالتعايش القائم على الاحترام والأخوة الإنسانية والإسلامية، ولكل منا مذهبه وطريقته، والجدل فى تفاصيل الخلافات الطائفية يجب ألا يكون فى الإعلام بل فى أروقة العلم، ولا يُقبل التطاول على سادتنا الصحابة، ولا على سادتنا آل البيت، واحترام الصحابة وآل البيت لا يعنى القول بعصمتهم رضى الله عنهم أجمعين، ولكن نرفض سبهم، وقذف السيدة عائشة كفر، لأن من يقذفها يكذب القرآن الذى برأها، وللإنصاف فإن المراجع الشيعية الرسمية المعاصرة ترفض ذلك، إلا بعض متطرفيهم يؤججون هذه الفتنة، وأما ما يحدث الآن من الاحتراب الطائفى فهو صراع سياسى، كما أن الأنظمة السياسية والتنظيمات والجماعات تستثمر التدين فى الصراعات، القضية ليست فى التدين، فالصراعات والحروب كانت موجودة بعيدًا عن الدين، وأشد الحروب دموية وهتكًا لحقوق الإنسان قامت بها أنظمة علمانية كالحربين العالميتين، لكننا نرفض عملية التبشير الشيعى المسيس، ونرفض قضية العمل التكفيرى الطائفى المسيس، لأن المذهب هو اختيار فكرى مكفول للإنسان ما لم يكن فى سياق التمدد السياسى المؤدى للفتنة، فالمعركة ليست معركة طائفية، بل هى سياسية أُلبست ثوب الطائفية، فالخلافات الدينية ليست الأصل فى الصراعات، بل الحراك السياسى المُستغل لها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة