للأسف يسود اعتقاد خاطئ فى المؤسسات الحكومية يؤدى إلى المزيد من التدهور والمزيد من البؤس، هذا الاعتقاد يتلخص فى أن الموظفين مؤمنون بأن مسألة الربح والخسارة لا تهمهم، فلن يزيد على راتبهم شىء إذا ما ربحت المؤسسات التى يعملون بها، ولن يقل من راتبهم شىء إذا ما خسرت المؤسسات التى يعملون بها، والموظف سيظل موظفا مهما جرت الأيام وارتفعت المقادير أو دنت، و«مربوط الدرجة» بالعلاوات والزيادات والمكافآت سيظل كما هو دون تدخل من أحد سواء بالزيادة أو بالنقصان، وفى الحقيقة هذا أمر نادر الحدوث فى العالم أجمع، ففى جميع بقاع الدنيا يثاب المصيب ويعاقب المذنب، وقد قال لى أحد أصدقائى العاملين بالشأن القضائى إنه ذات يوم كان يتواصل مع إدارة تحقيقية فى إحدى دول أوروبا وقت أن كانت مصر تبحث عن أموالها فى الخارج، ثم فوجئ بأن هذه الإدارة سرحت من العمل لأنها أنفقت الميزانية الخاصة بها ولم يجدد لها الاعتماد المالى لأنها لم تنجز المطلوب منها.
بناء على الاعتقاد الأول يسود اعتقاد آخر أسوأ، وهو أن المسؤولين لا يفكرون أبدا فى أن الزمان اختلف وأن على المصالح الحكومية أن تقدم خدمة تستحق الأموال المدفوعة فيها، ولهذا تراهم يخفضون رسوم بعض الخدمات دون تقدير، ويرفعون بعضها الآخر دون تقدير أيضا، وخير مثال على هذا ما قالته السيدة منى محرز، نائب وزير الزراعة لشؤون الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، عن زيادة أسعار حديقة الحيوان يومين فى الأسبوع فقط، بعد عيد الأضحى المبارك، موضحة أن سعر تذكرة الدخول ستتراوح بين 20 إلى 25 جنيها، بدلا من 5 جنيهات حاليا قائلة «إن القرار هيخلى أسر كتير متنزلش الحديقة، ويبقى فيه حرية أكبر للقادر وغير القادر ومينفعش نحرم فئة من الشعب، والقادر لما يدفع الخدمات سيتم تطويرها».
فى الحقيقة فإننى أجد هذا الكلام لا ينم عن وعى حقيقى بطبيعة المستهلك المستهدف من القرار، ولا يوحى بأننا أمام رغبة حقيقية فى التطوير وإنما رغبة ساذجة فى جنى الأموال، وأقول «ساذجة» لأنها لن تأتى بالنفع على الوزارة أو البلد لأنها لن تأتى بالمردود المراد، فلن يذهب القادرون إلى حديقة الحيوانات لمجرد أن سعر التذكرة زاد، وإنما سيذهبون إلى الحديقة حينما يلمسون أن هناك تطويرا حقيقيا حدث، وأمنا حقيقيا استتب، ورعاية حقيقية تقدم، وخدمة حقيقية يحصلون عليها، سيذهب القادرون إلى حديقة الحيوانات ويستمتعون هم وأولادهم بتراث بلدنا المطعون إذا ما اختفت الروائح الكريهة والمشاهد المسيئة والقمامة المتراصة على الأبواب وفى الطرقات وعلى الجوانب، وإذا ما وجدوا معاملة آدمية من العاملين، وأسلوبا راقيا من مقدمى الخدمة، ومكانا ليلعب فيه الأطفال بأمان، وتمرح فيه البنات والسيدات دون خوف من تحرش أو ريبة من عيون المتطفلين، سيذهب القادرون إلى حديقة الحيوانات إذا ما وجدوا مكانا آمنا لركن سياراتهم، ومرشدا معتمدا يصطحب الأطفال فى جولة بالحديقة ليمتع عقولهم بمعلومات مبسطة عن الحيوانات، كما يمتع عيونهم برؤيتها، ووقتها فحسب وليس قبل هذا فليزد سعر دخول الحديقة إلى 50 جنيها وليس 25 فحسب.