تابعت بشغف وإعجاب كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء افتتاحه العديد من المشروعات التنموية بصعيد مصر، ومن وجهة نظرى فإن فائدة هذه المشروعات تضاعفت عدة مرات، خلافًا للكثير من المشروعات الأخرى، أولًا لأنها فى صعيد مصر، وهذا يعنى أن شعار تنمية الصعيد غادر صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون أخيرًا، وهبط بحمد الله وتوفيقه إلى أرض الواقع، والثانى أن الدولة أيضًا دخلت بكامل طاقتها فيما يسمى بالصناعات الاستراتيجية، التى تتكلف كثيرًا وتربح كثيرًا أيضًا، كما أنها توفر المواد الخام والخامات اللازمة للبناء والتشييد والصناعة بعد أن كنا نستسهل الاستيراد، فنضيع حصيلتنا من العملات الصعبة، أو نستسهل المشروعات نفسها، فندخل فيها دون دراسة أو استعداد حقيقى، فنهدر بالعشوائية أغلى مواردنا.
الشغف والإعجاب أيضًا لم يقتصر على افتتاح المشروعات فحسب، بل ينسحب كذلك على ما قاله الرئيس فى شرح كيفية إنجاز هذه المشروعات فى الوقت القياسى الذى تمت فيه، فقد قال الرئيس إن الإجراءات المتبعة فى تنفيذ مثل هذه المشروعات غاية فى الصعوبة والتعقيد، والوقت الذى يستلزمه إجراء المناقصات وترسية العطاءات قد يفوق مدة إنجاز المشروع من الأساس، ولهذا أمر الرئيس بأن تأتى إليه جميع الشركات المتخصصة بمثل هذه المشروعات، مع توحيد القياسات والمعايير، ليعرف كم ستتكلف هذه المشروعات، وقتًا ومالًا، ثم أتت مرحلة التفاوض مع هذه الشركات، وهى العقيدة التى رسخها الرئيس فى الدولة المصرية، ليحصل من خلال هذا التفاوض على أرخص الأسعار وأقصر المدد الزمنية، مرجعًا الفضل لهذه الآلية فى تنفيذ المشروعات الكبرى، وإنجاز ما كان يصفه البعض بالصعب أحيانًا وبالمستحيل أحيانًا أخرى.
من وجهة نظرى، فإن هذه الطريقة المدهشة كسرت عقيدة مميتة تؤمن بها المصالح الحكومية فى مصر، وهذه العقيدة هى عقيدة «البوستة»، فعمر الموظفين فى المصالح الحكومية لا يقاس بالأعوام، وإنما يقاس بعدد الخطابات الصادرة والواردة، ولك أن تتخيل إنه لو أراد موظف فى منطقة نائية أن يحصل على «مقشة» أو «ورق» أو «دوسيهات» فعليه أن يكتب إلى مديره المباشر، ثم يحول هذا المدير المباشر الطلب إلى مدير المنطقة، ومنه إلى مدير عام المنطقة، ومنه إلى رئيس الإدارة المركزية، ومنه إلى رئيس القطاع، ولو قلنا إن دورة كل خطاب فى الوصول للحلقة التالية تستغرق أسبوعًا، فهذا يعنى أن أمامنا خمسة أسابيع ليصل الخطاب إلى متخذ القرار، أضف إليها خمسة أسابيع أخرى ليعود إلى مرسله، وقد يتم رفض الطلب أو يطلب المدير تعديله، فنضطر إلى إرسال خطاب آخر يستلزم نفس الوقت الذى استلزمه الخطاب الأول، تزيد هذه المدة بالطبع إذا كانت إحدى حلقات الإدارة غائبة أو فى مأمورية خارج البلاد، ولست أدرى كيف تصبر الحكومة على هذا الأمر، وكيف تنتظر إنجازًا فى الوقت الذى من الممكن أن تتم كل هذه المعاملات بالبريد الإلكترونى.