ذات مرة قبل عام 2010، كنا فى حاجة ملحة لمساعدة شاب فقير مريض مصاب بمرض فشل الجهاز التنفسى، وليس معه أحد سوى والده العجوز الذى لا يعرف شيئًا فى القاهرة، وبعدما تمكنا من توفير جهاز طبى يساعده بعض الشىء على التنفس، كانت لدينا أزمة نقل الشاب من مستشفى الدمرداش فى العباسية إلى الصعيد الجوانى، وبالتحديد إحدى قرى مركز قفط فى قنا، وعندما ذهبنا إلى هيئة الإسعاف تعاونوا بشكل لم أتوقعه ولم يستغرق الأمر ساعة واحدة، حتى كانت سيارة مجهزة تنهب الطريق إلى قلب الصعيد، وربما كانت فرحة أم الشاب المريض التى لم تره منذ شهور، والعاجزة عن زيارته فى المستشفى البعيدة، هى ما تمثله لى قيمة رجال الإسعاف فى مصر.
لا أريد أن أكتب عن رجال الإسعاف بصورة عاطفية، لكننى أعرف أن العاطفة وحدها هى القادرة على فهم دورهم الذى يقدمونه للمجتمع، لن يشعر بهم سوى من يحتاج إليهم، فى لحظة حدوث الكارثة «العامة أو الشخصية» لأن وجودهم، فى المكان والزمان، سيكون هبة من الله.
فئات كثيرة فى المجتمع يجب التنبه إليها، على رأسها رجال الإسعاف فى مصر، هؤلاء المنوط بهم أن يشاركوا فى بث روح الطمأنينة فى الناس، وأن يكونوا فى لحظة الخطر أول المتقدمين فى الصفوف، لكن الكاميرا عادة لا تتنبه إليهم، فالمحافظ ورجاله المسؤولون عادة ما يحظون بكل شىء، أما رجل الإسعاف فبعد أن ينتهى دوره يعود مرة أخرى ليجلس فى سيارته فى انتظار الاستدعاء التالى والذى لا يتأخر كثيرا.
لماذا أهتم برجل الإسعاف، وأطالب الدولة والناس أن يهتموا به، يكفى نظرة بسيطة على أسماء شهداء مصر فى حربها على الإرهاب الغاشم، وسنجد أن لرجال الإسعاف نصيبا لا ينكر من الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم مخلصين لبلدهم، وحينها سنعرف أنهم يقومون بدورهم كاملا فى الدفاع عن الوطن وعن مقدراته، ويكفى أن نتابع الكوارث التى تقع لظروف طبيعية أو بسبب إهمال المهملين، وسنرى رجال الإسعاف يؤدون ما عليهم وزيادة ولا يتأخرون أبدًا.
ربما يقول لنا أحدهم هذا دورهم، ونقول معه نعم هذا دورهم، لكن أين حقوقهم فى ظل هذا العمل الخطر؟ هل يحصلون على ما يستحقون أو حتى جزء منه؟ هل يحصلون على بدل عدوى مناسب؟ أشياء كثيرة يجب التنبه إليها، لأن رجال الإسعاف وأمثالهم هم أصل منظومة الأمن والأمان فى هذا الوطن.