القبض على رئيس حى الهرم متلبسا بالرشوة، لن يكون آخر الأخبار التى تعلن سقوط أحد الفاسدين فى قبضة الأجهزة الرقابية، لأن المناخ الذى ساد طوال عقود فى المصالح الحكومية والمحليات يجعل من علاقة الموظف العام بالمواطن فى حد ذاتها فرصة للتربح، خاصة مع تراجع الأوضاع الاقتصادية والقيم الحافظة للمجتمع، وبروز قيم الاستهلاك العدمية، التى جعلت الموظف الذى يوقع على أوراق بالملايين يرغب أن يكون له حصة فيها دون سبب أو تبرير، كما جعلت صاحب المصلحة راغبًا بالضرورة فى نهب حقوق الدولة، وعلى استعداد لدفع جزء منها رشوة للموظفين مقابل التغاضى عن الجزء الأكبر من الحق العام الذى يعود علينا جميعًا فى صورة مستشفيات ومدارس ورعاية صحية ومعاشات استثنائية للفئات الأكثر فقرًا.
طيب، كيف نوقف هذا النزيف فى موارد الدولة؟ وكيف نمنع النهب المنظم للموارد الذى هو خصم من رصيد التنمية؟ وكيف نعيد تصميم نظام العمل فى المؤسسات والمصالح الحكومية بحيث نحقق المصلحة والخدمة ونمنع الرشوة والفساد؟
الإجابة عن السؤال السابق ليست عويصة وليست مستحيلة، فنحن لن نخترع العجلة، وحولنا بلاد كثيرة عربية وأفريقية طبقت أنظمة من التعاملات المميكنة تضمن للدولة مواردها وتمنع الرشوة نهائيًا وتوقف العلاقة المباشرة بين الموظف الحكومى وصاحب الخدمة، وعلى كل مصلحة حكومية أن تصمم موقعًا إلكترونيًا يتضمن الخدمات التى تقدمها وأسعارها، وأن يتضمن موقعها تطبيقًا آليًا يستقبل بيانات العميل أو المواطن والخدمة المطلوبة والمدى الزمنى الملائم لإنجازها والرسوم المقررة، فإذا كنت تريد استصدار رخصة سيارة أو ترخيص بالبناء أو بطاقة شخصية أو شهادة ميلاد.. إلخ، ما عليك إلا أن تدخل بياناتك وأن تسدد الرسوم وتنتظر أن تصلك الخدمة على أقرب مكتب بريد من بيتك.
هذا النظام الجديد يحتاج إلى أن يكون ضمن الأولويات الحكومية، كما يحتاج إلى جمع الخدمات البريدية المقدمة فى برنامج واحد بسيط وسهل، والترويج له إعلانيًا، ومن هذه الخدمات كيفية تحويل الأموال عبر الموبايل فى تطبيق آمن، أيضًا دمج مجموعة البيانات الخاصة بكل مواطن مع بيانات الرقم القومى بحيث يسهل للمواطن إنجاز المصلحة أو الخدمة بمجرد تعريف نفسه من خلال الرقم القومى على موقع المؤسسة أو المصلحة الحكومية، أو عند مطالبته بالتأمين الصحى والعلاجى.
ميكنة مؤسسات ومصالح الدولة المصرية، فى ظنى هى أهم إنجازات الحكومة الفترة المقبلة، لأنها ببساطة ستقضى على كثير من التخبط الذى عشنا فيه والعشوائية التى حكمت اتخاذ القرارات طويلًا، وتلاعب الأهواء بمصائرنا ومستقبلنا، كما أنها ستجعل المواطن العادى يلمس مباشرة كيف نجحت الدولة المصرية فى مكافحة الفساد المستشرى فى المحليات ومختلف المصالح التى تتعامل مباشرة مع الجمهور، ولأول مرة يمكن من خلال البطاقة الشخصية التى تحملها أن تعرف رقم التأمين الصحى الشامل الخاص بك، ورقمك التأمينى وبياناتك الوظيفية وموقفك الضريبى، كما هو الحال فى أى دولة أوروبية، كما يمكنك إنجاز مصالحك دون أن تقابل الموظف إياه الذى ينظر إليك مبتسمًا ابتسامة صفراء، كما فى فيلم عسل أسود لأحمد حلمى، وهو يحدد لك تسعيرة الخدمة إذا فتحت مخك ودفعت «رشوة»، أو يجعلك تكره نفسك والعيشة واللى عايشينها إذا عصلجت وقررت أن تمشى حسب القانون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة