بالأمس قلت إنه بإمكان «مصر» أن تغير صورتها الذهنية فورا، بشرط واحد هو أن تقوم بحملة قومية لتنفيذ أربع قرارات، الأول هو تنظيم المرور بقبضة حديدية، والثانى هو تنظيف الشوارع والميادين وتجميلها، والثالث أن تقوم بطلاء عماراتها وبيوتها على الأقل فى الشوارع الرئيسية، والثالث أن تنظف وتنظم أسطح المنازل، وقد ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسى فى جلسة «اسأل الرئيس» أن بعض المواطنين لا يشعرون بنتيجة الإصلاح الاقتصادى ربما نتيجة عدم تنظيم المرور وعدم تنظيف الشوارع وتجميلها، مبديا استعداده الشخصى للمشاركة فى الحملات التحفيزية التى تحث المواطنين على المشاركة فى جعل بيئتهم أكثر إنسانية، لكنى اقترحت بالأمس أن تتولى الحكومة مسؤولية مسألة تنظيم المرور وتنظيف الشوارع، أما مسألة طلاء الأبنية وتنظيف الأسطح فجيب عليها أن تلزم المواطنين بها، ولكن ليس بحملات التوعية وإنما بقوة القانون.
هنا يحق لك أن تسأل: لماذا بقوة القانون وليس بحملات التوعية؟ وكيف وأنا كاتب رأى يؤمن بحرية الفرد ومسؤوليته أدعوا إلى «قوة القانون» برغم أن دعوتى للحوار والإقناع أولى؟ وفى الحقيقية فإننى أرى أننا نسىء فهم مسألة حملات التوعية بشكل كبير، بل ونحملها ما لا تحتمل، فمنذ أن وعيت الدنيا وأنا أرى حملات التوعية فى كل وقت وفى كل مكان، أتذكر حملة «لحظة من فضلك» التى كانت تدين السلوكيات السلبية فى شوارع مصر، وأتذكر حملات تنظيم الأسرة المتعددة ومنها حملة «الراجل مش بس بكلمته» وحملة «حسنين ومحمدين كانوا شباب الاتنين»، وحملة «طول تدى ما ضهرك للترعة عمر البلهارسيا فى جتتنا ما ترعى»، وفى الحقيقة «لا لحظة من فضلك» أسهمت فى تخفيف مأساة القمامة فى الشوارع، ولا فعلت شوارب أحمد ماهر شيئا فى الانفجار السكانى، وكذلك لم تختفِ البلهارسيا إلا حينما توفر العلاج الفعال.
أنا هنا لا أهمل قيمة الوعى ولا أقلل من أهمية التوعية أبدا، لكننى أريد أن أضع تأثيرها فى موضعه الحقيقى، فحملات التوعية بالنسبة لى ليست أكثر من «فاتح شهية»، ومعروف أن فاتح الشهية يؤهلك للأكل ويحفزك على تناوله، لكنه لا يطعم من جوع ولا يروى من عطش، فلابد أن يعقب حملات التوعية قرارات صارمة، تستثمر حالة الوعى العام الذى نشرته الحملات وتفعله، فقد خلقنا الله متفاوتين فى القدرات مختلفين فى درجات الاستجابة للمؤثرات، فقد يقتنع أحد بما تشير إليه المصلحة العامة وما تمليه الأخلاق والضمائر، وليس شرطا أن يقتنع الجميع بنفس الشىء، وللأسف السلوك «عدوى»، وحينما أرى نفسى وسط بيئة صحية تشجعنى على السلوك الحميد أجبر على التماشى مع السياق العام، والعكس صحيح، ولهذا لابد أن يرسخ فى وجداننا أن القانون هو الذى يفرض السلوك، وهو الذى يحافظ على المجتمع وهو الذى يؤسس للأخلاق، وهو الذى يقيم ظهر الأمم.