كل شىء يتغير، قيم كثيرة تتراجع مفسحة المجال لقيم جديدة، أو مستعيدة أخرى كان الزمن قد مر عليها، ملقيًا الضوء عليها من جديد مانحًا إياها القدرة على التنفس مرة أخرى، ومن ذلك فى عالم الكتب روايات الكوميكس.
فى مفاجأة تحدث للمرة الأولى على مدة خمسين سنة، ضمت القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر الشهيرة، والتى تتكون من ثلاث عشرة رواية، واحدة مصورة «كوميكس»، حيث نالت رواية سابرينا للكاتب الأمريكى نك درانسو، إعجاب لجنة الحكام بعدما كانت الجائزة تنظر إلى هذا الجنس الأدبى، بوصفه «كتابة هازلة»، وتستخدم الرواية التى تدور حول اختفاء شابة والساعات الأربع وعشرين التى أعقبت ذلك، صورًا مبسطة لتقديم قصة عنف ونظريات مؤامرة فى ميدان «الأخبار الكاذبة»، وقال أعضاء لجنة الحكام «إن شكل الرواية المتغير» يعنى أن الوقت حان لإدراج رواية مصورة على القائمة الطويلة، ونقلت صحيفة الإندبندنت عن عضو لجنة الحكام «فال ماكديرميد»، الذى كتب روايات بوليسية أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا، قوله «إن الرواية المصورة أصبحت فى الصدارة وفى المركز على نحو متزايد بمفردات السرد القصصى، وشعرنا أن رواية سابرينا تستوفى ما ينبغى أن تستوفيه الرواية الجيدة».
طبعًا الرواية المصورة فى عالمنا العربى لا تحلم حتى الآن بشىء من ذلك، لأننا لا نزال، للأسف، نعتبرها شكلا طفوليا فى الكتابة، لا يلجأ إليها إلا من يقصد قارئا معينا لم يصل بعد لسن الثالثة عشرة، وللأسف أيضًا، فإن ذلك يعد طريقة تفكير عربية سائدة، حتى أننى مؤخرا وبشكل شخصى، رأيت معالجة لرواية شحاذون ونبلاء للكاتب المصرى الذى عاش فى فرنسا ألبير قصيرى، بشكل كوميكس، وقتها ظننت أن المقصود من هذه المعالجة مخاطبة جمهور جديد ربما لم يقرأ لألبير قصيرى من قبل، جمهور صغير السن، قلت فى نفسى حتمًا طلاب المدارس هم المقصودون بذلك، بالطبع كنت مخطئا فى ظنى، لأننى بعدما اطلعت على العمل، أدركت أنها فن مستقل له قراؤه فى كل الأعمار، وله جمالياته وفنياته.
أعتقد أن مشكلة الرواية الكوميكس مع دور النشر أكثر من مشكلتها مع القارئ، لأن رواية الكوميس، مشروع يحتاج «تركيزا» بشكل أكبر، وعادة ما يشترك فى إبداعها فريق مشكل من كتاب وفنانين، وبالتالى يحتاج ذلك طريقة إنتاج مختلفة فى الألوان والتصميمات، وفى ظل أزمة مستلزمات النشر التى يعانى منها الجميع فإن رواية الكوميكس فى عالمنا العربى عامة، ومصر خاصة لن ترى انفراجة كبيرة، وطبعًا لو حلمنا بها تنافس فى مسابقة أدبية بصفتها مجرد رواية، دون أى خصوصية، فإن ذلك يحتاج وقتًا طويلًا لا أرى له بشائر إلى الآن.