خالد ناجح

التضحية

الإثنين، 20 أغسطس 2018 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل عام وحضراتكم بخير.. غدًا عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا جميعًا بالخير واليمن والبركات.
 
لنا فى الصعيد عادات منها أنه عندما يتم الذبح تتسابق الأطفال على دم الذبيحة وغمس يدها فى الدم والتبصيم على الأبواب والحوائط، وكان هذا جزءا من فرحة الأطفال فى العيد.
 
غدًا جهز بعضنا الأضحيّة، وهى إحدى شعائر الإسلام، التى يتقرب بها المسلمون إلى الله بتقديم ذبح من الأنعام، وذلك من أول أيام عيد الأضحى حتى آخر أيام التشريق، وهى من الشعائر المشروعة والمجمع عليها، وهى سنة مؤكدة لدى جميع مذاهب أهل السنة والجماعة الفقهية «الشافعية والحنابلة والمالكية» ما عدا «الحنفية»، فهم يرون أنها واجبة، وللأضحية شروط معينة يجب أن تتحقق فيها؛ أولها أن تكون بهيمة الأنعام وهى الإبل والبقر والغنم، وسن معينة لها، وبغير هذا تكون الأضحية غير مجزئة، ويشترط أن تكون خالية من العيوب.
 
ومعنى التَّضْحية فى اللغة مصدر ضحَّى يقال: ضحَّى بنفسه أو بعمله أو بماله: بذله وتبرع به دون مقابل. وهى بهذا المعنى محدثة، ومعنى التَّضْحية اصطلاحًا هو بذل النَّفس أو الوقت أو المال لأجل غاية أسمى، ولأجل هدف أرجى، مع احتساب الأجر والثواب على ذلك عند الله عزَّ وجلَّ، والمرادف لهذا المعنى: الفداء ومن معانيها البذل والجهاد.
 
لكن وأنت تضحى فكر قليلاً فى مفهوم التضحية نفسه، فالتضحية لها أنواع وأشكال متعددة مثل التضحية من أجل الأولاد والأسرة، نضحى بحياتنا ودنيانا من أجل آخرتنا، نضحى بأوقاتنا من أجل الدراسة، نضحى بجزء من سعادتنا من أجل إسعاد الآخرين، نضحى براحتنا من أجل أطفالنا وتربية أبنائنا، لكن التضحية من أجل الوطن هى التضحية التى لا يتقنها إلا الشرفاء ولا تقبل صفحات تاريخهم إلا أن تكتب بحروف من ذهب حتى لا تمحى أبدا من ذاكرة الأمة.
 
فالتضحية فى سبيل الوطن هى التخلى عن كل شىء وتقديم الروح من أجل الحفاظ على الوطن، وهى كذلك فداء وتقديم الغالى والنفيس من أجل تحقيق الأمن والأمان والحفاظ على استقرار الوطن، فالتضحية ليست فقط كلمة تقال، بل هى فعل حقيقى يقوم بفعله كل شخص وطنى محب لوطنه مهما كانت وظيفته أو مهنته أو عمله، وقد ضحى من قبل آباؤنا وأجدادنا من أجل بناء منازل لنا وتوفير احتياجاتنا وبناء الوطن ومن أجل أن نعيش نحن اليوم فى أمان واستقرار.
 
وليس حب الوطن كلمات فقط تنظمها مشاعر نعبر عنها بدموع نجيش بها، أو صفحات تعبير نكتبها لأبنائنا فى المدارس، أو نتغنى بها فى الإذاعات واللقاءات التليفزيونية والخطابات الرنانة، إنما حب الوطن سلوك وأفعال يجب أن نقوم بها لكى نثبت انتماءنا وولاءنا الحقيقى الذى يعبر عنه بالتضحية والفداء بالنفس والمال والولد، من أجل الوطن وحبه وبقائه واستقراره وأمنه، لذا سُئل الفيلسوف الإنجليزى «برتراند راسل»: هل أنت مستعد للتضحية بحياتك من أجل أفكارك؟ فأجاب: لا.. لأنى على يقين من حياتى، ولكنى لست على يقين من أفكارى.
 
إلا أن مفهوم التضحية يختلف من شخص لآخر، فعالم النفس «إدلر» يرى أن «التضحية سلوك ينبع من أسلوب الحياة، حيث تبلغ الذات فيه أعلى مراتب الإنسانية، لتكون ذاتا فعالة خلاقة لأن تتخطى عقبات الحياة وظروفها».
 
فالتضحية من أجل الوطن هى من أعظم أنواع التضحية على الإطلاق، فكل ذلك من أجل استقرار الوطن وإرساء قواعد الأمن والأمان لأبنائه الشرفاء الصادقين المخلصين المدافعين عن كرامته وعزته واستقراره، إلا أن هناك من لا يدخر جهدا لتدمير ونهب ثروات الوطن وخيراته من أجل مصالح شخصية ضيقة وخدمة لرغباته، وهم أناس فرّغوا حب الوطن من مضمونه لنجد المصالح الشخصية مقدمة على مصلحة الوطن وحب الوطن، نسوا هؤلاء أن الوطن دائما أكبر من الجميع وفوق الجميع، إن حب الوطن ثقافة نحن أحوج ما نكون إليها فى كل ما نقوم به، فمهما حدث، فالوطن هو الأفضل بالمطلق، وهؤلاء المفسدون على أرض الوطن يساهمون بتدميره شأنهم فى ذلك شأن العصابات الإرهابية المسلحة التى تسعى جاهدة لتدمير كل شىء جميل بالبلاد، إلا أننى أقول بأن الشعب يرى ويعى ويفهم ما يدور من حوله، لكن أمن الوطن وبقاءه مقدس لدى الشعب.
 
الأمر الآخر فقه الأولويات أو فقه الموازنات، وهو مصطلح إسلامى حديث، يُعرَف بفقه مراتب الأعمال، حيث يفاضل بين الأعمال من حيث أيها أولى بالتقديم على غيرها، وهو فقه تركه المصريون، فلا أعلم لماذا كل هذا التسابق على الحج من المصريين مع أنها فريضة مرتبطة باليُسرِ، فتجد الكثيرين يقترضون لأداء مناسك الحج، أيضا تجد كثيرين يؤدونها أكثر من مرة، رغم أن هناك أولويات لابد من تقديم الأهم على المهم، فعلى سبيل المثال لدينا الكثير من المرضى والفقراء ولا يجدون من يتبرع لهم سواء لعلاجهم، أو بناء وترميم منازل الجيران، وفى اعتقادى أن ما سبق أهم من تكرار الحج والعمرة.
 
وقد أدى تغييب فقه الأولويات إلى ضياع البوصلة بل ضياع الدول والأمم والمجتمعات من حولنا، كما ابتُلِيت الحركات الإسلامية عمومًا بعمى الألوان والشيزوفرينيا عندما اهتمت بالفروع وتركت الأصول، وبالجزئيات قبل الكليات وبالمختلَف فيه قبل المتّفَق عليه، وأغرق الكثيرُ من الدعاة فى تفاهات الأمور عندما وضعوا ثِقلهم فى الأحاديث الضعيفة مثلاً وتركوا الأحاديث الجامعة، وعندما مالوا إلى القواصم «بالصاد بدل القواسم بالسين»، كرّسوا فقه الثانويات وتركوا بذلك الحكم الأولى وفقه الأولويات، التى هى مناط وهدف المشرّع والشارع الذى أرادنا أن ننطلق منها لصناعة الرؤية والنهضة على السواء، لكنهم فرقونا وقتلوا وشردوا أبناءنا فى كثير من البلدان العربية لصالح العدو.
 
ولهذا بعد كل هذا التفكير وأمامك الذبيحة عليك أن تعرف فقه الأولويات، وهل التضحية التى قمت بها أولى أم هناك ما هو أولى، وقبل أن تجيب عن السؤال ضع نفسك مكان هذا المحتاج الفقير أو المريض وكيف سينظر لك إذا كنت سببا فى شفائه، وحاول أن تجد أولوياتك من خلال مجتمعك، ولن أنسى أن أقول لك إن هناك أسرًا سوف يأتى إليها العيد ولها ابن شهيد وهو يدافع عنك وعن أسرتك ليجعلك اليوم تحتضن أبناءك وتنام هانئًا فى بيتك، وله زميل الآن يقف على الحدود ليحرسك من غدر الأعداء ويجعلك تكمل عيدك وأنت مطمئن على نفسك وأسرتك ومالك.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة