عندما نقول إن مصر لديها كنوز من الموارد المحتملة ولكنها فى الغالب الأعم لا تتحول إلى أرصدة وأرقام تضاف إلى الدخل القومى، فإننا نعنى بذلك غياب الرؤية الواضحة والتخطيط السليم المبنى على معلومات وافية والقادر على توظيف الطاقات والإمكانات المتاحة لتحقيق نتائج مرضية، وحتى لا نغرق فى العموميات، دعونا نتناول ملفا واحدا يمكن أن يحقق طفرة كبيرة فى صناعة السياحة المصرية، وهو ملف رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، بعد أن اعتمده الفاتيكان وأصبح على خريطة الحجاج المسيحيين من كل دول العالم.
فى يناير الماضى أدرجت بالفعل مؤسسة «أوبرا رومانا» المسؤولة عن ملف الحج بالفاتيكان، مسار رحلة العائلة المقدسة إلى مصر، فى الكتالوج الخاص بحج الفاتيكان عام 2018، وشمل الكتالوج برنامجين لمصر أحدهما يشمل الأماكن التى مرت بها السيدة العذراء والسيد المسيح عليهما السلام، والآخر زيارة المناطق الأثرية التاريخية من أسوان للقاهرة، وتصل مدة الرحلة 8 أيام، وإذا كنا نعلم أن المسيحية هى كبرى الديانات فى العالم ويعتنقها نحو 2.2 مليار نسمة من بينهم 1.13 مليار نسمة يتبعون المذهب الكاثوليكى وبابا الفاتيكان وهؤلاء شغوفون بأداء الطقوس والمناسك التى يقرها البابا فى روما، فلنا أن نسأل أنفسنا مجموعة من الأسئلة البسيطة:
- ماذا فعلنا فى ملف تأهيل مسار العائلة المقدسة ونقاطه الرئيسية؟ فإذا كان المسار يبدأ من العريش فى سيناء ويصل إلى الفرما القديمة أو بورسعيد ومنها إلى بلبيس فى الشرقية وحصن بابليون فى مصر القديمة وسخا بمحافظة القليوبية ومنها إلى جبل درنكة بأسيوط عبر وادى النطرون، والعودة من القوصية إلى حصن بابليون وبلبيس ثم العريش وفلسطين، فإن لدينا بالفعل مجموعة من النقاط الحية والمزارات والأديرة التى يمكن تحويل النطاق العمرانى لها إلى مناطق جذب للسياحة الدينية تتحول إلى مناطق جذب سياحى طوال العام.
- كم عدد الحجاج المسيحيين الذين نستهدفهم من جملة 1.13 مليار كاثوليكى يؤمنون بما يقرره الفاتيكان من طقوس وشعائر ويرغب معظمهم فى اتباعها؟ وهل لدينا حصر معلوماتى بعدد الحجاج الكاثوليك من أوروبا وكذا من أمريكا اللاتينية ومن آسيا إلخ؟ أم أن الأمر متروك للمصادفة؟
يمكننا بالفعل أن نخطط لاجتذاب مليون حاج مسيحى، كما يمكننا أن نخطط لاجتذاب خمسين مليون حاج فى العام، ولكن لابد أولا أن نعرف ماذا نريد وأن نخطط ونسوق لمسار العائلة المقدسة فى مصر كما ينبغى فى العالم كله، فإذا أردنا أن يأتى إلينا خمسون مليون حاج مسيحى، فلابد وأن نضع مسارات جاذبة لهؤلاء الحجاج وأن نستهدف إنشاء مجموعات من الفنادق المتفاوتة الأسعار والدرجات بدءا من المعسكرات السريعة وخيام التفويج المزودة بالخدمات الأساسية وانتهاء بالفنادق خمس وسبع نجوم فى النقاط الأساسية، وهو ما يستلزم شراكة مع القطاع الخاص ومع كنيستنا الأرثوذكسية ليتحول مسار العائلة المقدسة إلى بنية أساسية دائمة تخدم صناعة السياحة المصرية وتجعل من الحج المسيحى موردا أساسيا من موارد الدولة، فضلا عن الطفرة التنموية والعمرانية الهائلة التى يمكن أن تتحقق فى النقاط الأساسية لمسار العائلة المقدسة.
اطرحوا الموضوع على المستثمرين ورجال الأعمال بدل حصره فى اللجنة الوزارية المعنية بالملف، وافتحوا الباب للأفكار الجديدة، كأن يتولى رجال الأعمال والمستثمرون فى كل محافظة ضمن مسار العائلة المقدسة تطوير المناطق الأثرية ومحيط الأديرة وتأسيس بنية أساسية تخدم صناعة السياحة مع العمل على الترويج لها طوال العام، فالموضوع ليس مجرد زيارة للتبريك يقوم بها الحاج المسيحى، ولكنها صناعة متكاملة يمكن أن يفيد منها الملايين فى عشر محافظات من خلال إنشاء الفنادق وإقامة الأسواق والبازرات وورش الحرف التقليدية المرتبطة بالحج.
يا جماعة الخير، مسار العائلة المقدسة كنز ينبغى أن نفكر فيه على أنه واحد من المشروعات التنموية العملاقة التى تتكامل فيها طاقات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى لتحقيق طفرة تنموية واقتصادية، والله أعلم!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة