تزامن إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن تشكيل مجموعة عمل بشأن إيران، وتعيين بريان هوك ممثلا خاصا لوزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو فى الشأن الإيرانى، بهدف تركيز الجهود الأمريكية والدولية فى سبيل تعزيز الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية على إيران، من أجل التوصل إلى اتفاق سريع مع طهران، تزامنت مع دخول حزمة العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ فى 7 أغسطس الماضى، الأمر الذى اعتبره صانع القرار فى إيران رسائل أمريكية متناقضة لكنها أربكت الداخل، عبر عنها الرئيس حسن روحانى فى مقولته "دمروا جسر المفاوضات ويريدون العبور مجددا".
لم تبد إيران ردة فعل سريعة أو انفعالية تجاه الفريق الأمريكى الجديد المعنى بملف إيران، بل تمهلت قليلا، وجاء أول تعليق رسمى من قبل وزير الخارجية جواد ظريف فى الذكرى الـ 65 لإسقاط رئيس الوزراء محمد مصدق فى 19 أغسطس، بتحالف أمريكى بريطانى فى عملية معروفة تاريخيا بعملية "اجاكس" فى عام 1952.
واعتبر الدبلوماسى الإيرانى أن وشنطن تريد تكرار التاريخ مجددا عبر فريق "مجموعة العمل" الذى يستهدف إسقاط البلاد على حد تعبيره-، وكتب ظريف على حسابه فى "تويتر": "قبل 65 عاما، أطاحت الولايات المتحدة بحكومة الدكتور محمد مصدق الوطنية المنتخبة، ليعيدوا الدكتاتورية ويستعبدوا الإيرانيين لـ25 عاما أخرى "واعتبر أن واشنطن تسعى لتكرار ذلك" إذ تحلم مجموعة العمل الآن بأن تفعل الشيء نفسه من خلال الضغط والتضليل والغوغائية التى لن تسمح بها إيران أبدا".
65 years ago today, the US overthrew the popularly elected democratic government of Dr. Mossadegh, restoring the dictatorship & subjugating Iranians for the next 25 years. Now an “Action Group” dreams of doing the same through pressure, misinformation & demagoguery. Never again. pic.twitter.com/ic3o652awn
— Javad Zarif (@JZarif) August 19, 2018
لكن المرشد الأعلى الذى أعلن قبل 6 أيام فى 13 أغسطس أنه لا حرب ولا مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، أيده بشكل كبير المعسكر المحافظ والمتشددين الرافضين لأى نوع من أنواع التفاوض أو حتى لقاء مسئولين أمريكيين، وسد الطريق أمام مناقشات أثيرت لبعض الإصلاحيين حول إظهار بعض المرونة لإبعاد البلاد عن شبح العقوبات، وقد أكد علي خامنئي، أنه لا وجود لحرب أو مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية فى المستقبل.
وأشار خامنئى إلى أن الحديث عن الحرب يهدف إلى إخافة من وصفهم بـ"الجبناء"، وتابع قائلا إن الإدارة الأمريكية "تلعب لعبة بائسة، إذ يقول أحد مسئوليها إن المفوضات ستتضمن شروطا مسبقة بينما يقول آخر إنها مفاوضات دون شروط".
حسن روحاني
- جسر مفاوضات روحانى وترامب يربك المتشددين
وجاء تصريح لروحانى فى الـ 15 من أغسطس الجارى والذى خاطب فيه الإدارة الأمريكية، قائلا "بددت الولایات المتحدة الأمريكیة ظروف التفاوض ودمرت جسر المفاوضات ثم وقفت على الجانب الآخر تقول كيف نعبر".. "لو اردتم العبور فلماذا دمرتم الجسر؟ إن كنتم تريدون أن نلتقى فلماذا دمرتوه؟ إن كنتم صادقين تعالوا وابنوا الجسر مجددا وقتها ستجرى اللقاءات بصورة طبيعية من ذاتها".. شكل التصريح صدمة كبرى وأربك المعسكر المتشدد الذى رأى فى تصريحات روحانى محاولات لتكرار تجربة الاتفاق النووى الذى أبرم فى 2015، وانسحبت منه واشنطن فى 8 مايو 2018.
- دونالد "ترامب" لا يختلف عن "ترومن"
وشكلت ذكرى الإطاحة بمصدق بمؤامرة أمريكية بريطانية، مناسبة جيدة للمعسكر المتشدد الذى راح يروج فى الإعلام التابع له لفكرة عدم الثقة فى واشنطن وأن التجربة التاريخية خير دليل، فاستغلت الصحف المتشددة المناسبة للهجوم على التيار الإصلاحى وحكومة روحانى.
ونشرت صحيفة "وطن امروز" الأصولية، صورة على غلافها لجلسة خاصة بين وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف ونظيره الأمريكى الأسبق جون كيرى خلال المفاوضات النووية، وكتبت "لم يعتبروا فأصبحوا عبرة!" فى إشارة إلى انخراط فريق روحانى فى مفاوضات نووية مع الولايات المتحدة.
محمد مصدق وترومن فى 1951
وناقشت الصحيفة فى تقريرها الدروس المستفادة من الانقلاب ضد مصدق، وتكرار تجربة الثقة -التى وصفتها بالفاشلة- فى الولايات المتحدة بحكومة روحانى، وقالت إن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى كلف الشعب الإيرانى الكثير، معتبرة وجود تشابه بين تجربة محمد مصدق وروحانى من خلال ثقتهم بالولايات المتحدة، فتلك أدت إلى إسقاط حكومته على يد واشنطن، وفى الأخرى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى وتملصت من تعهداتها.
ولم تفوت صحيفة "كيهان" المتشددة المقربة من المرشد وتسير وفق نهجه وترفض بشدة فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة، فقد نشرت صورة تجمع مصدق بالرئيس الأمريكى هارى ترومن وكتبت عليها "مصدق سقط من جسر المفاوضات الأمريكى"، وقالت إنه بعد مرور 65 عاما من الانقلاب تشير التجربة إلى أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لا يختلف عن ترومن، فلا يمكن الثقة بالولايات المتحدة، ولن يصل أحد لمنزله عير جسر المفاوضات مع القوى الشيطانية (الولايات المتحدة)، واختارت الصحيفة كلمة "جسر" إسقاط على تصريح روحانى السابق حول تدمير جسر المفاوضات.
وفى النهاية وجدت طهران نفسها بصدد تطبيق الولايات المتحدة استراتيجيتها لتقويض سلوكها فى المنطقة وعرقلة تطوير برنامج الصواريخ الباليستية التى تهدد حلفاء واشنطن وتزعزع استقرار المنطقة، وسط أوضاع ملتهبة فى الداخل واحتجاجات على سياسات الحكومة الاقتصادية وتهاوى سعر العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، ويواجه روحانى وفريقه فى مأزق حقيقى فمن المقرر أن يقدم إجابات حول إجراءاته الجديدة لإنقاذ الوضع الاقتصادى أمام البرلمان الذى سيشرع فى استجوابه الأشهر المقبلة.