يوسف أيوب

جون كاسن.. حالة تستحق الدراسة

الخميس، 23 أغسطس 2018 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الأسبوع الماضى عقد السفير البريطانى بالقاهرة، جون كاسن، مؤتمرًا صحفيًا معلنًا خلاله انتهاء فترة خدمته بالقاهرة، وعودته مرة أخرى إلى لندن لبدء مهام جديدة، وأعرب كاسن، خلال المؤتمر، عن فخره بأنه بدأ حوارًا من نوع جديد مع الشعب وليس فقط النخبة، وقال «أقول للسفير البريطانى لابد أن يذهب للأماكن التى يوجد بها المصريون والاستماع لهم ويفهم رؤيتهم حول كيفية مساعدة بريطانيا لمصر، ولا يمكن ترك كل شىء للحكومات».
 
هذه الرسالة التى قالها كاسن، فى المؤتمر، لخصت أربع سنوات من الجدل الذى دار حول شخصية هذا السفير الذى خرق كل التقاليد والأعراف الدبلوماسية، سواء من خلال تحركاته أو لقاءاته التليفزيونية أو تفاعلاته عبر الأكونت الخاص به على موقع «تويتر»، فهو دائمًا يستخدم المفردات العامية، وفى أوقات كثيرة لا يتقيد بالملابس الرسمية، ثم إعلانه أنه مشجع لنادى الاتحاد السكندرى، كما لفت إليه الأنظار بتحركاته المثيرة مثل تناول الإفطار على عربات الفول وغيرها من التصرفات التى جعلت البعض يقول إنه تجاوز مهامه، وآخرون قالوا إنه يهدف إلى جمع المعلومات من على الأرض، وسمعنا عنه الكثير والكثير.
 
شخصيًا تابعت أداء هذا السفير الذى كان نشطا على وسائل التواصل الاجتماعى، فحسابه على «تويتر» كان محط أنظار الكثيرين، ووصل عدد متابعيه لأكثر من مليون متابع، فهو استطاع أن يصنع لنفسه حالة خاصة، مرة بحوارات ضاحكة مع المتابعين لـ«توتير»، وآخرهم وصلة «الهزار» التويترى» بينه وبين الفنان محمد هنيدى، وتارة كنا نراه يحتفل بشم النسيم وهو يأكل الفسيخ.. نعم استطاع أن يصنع لنفسه حالة، ربما تكون شبيهة للحالة التى صنعها «فرانسيس ريتشاردونى» السفير الأمريكى الأسبق بالقاهرة، الذى كان يلقب بالسفير المتصوف، لأنه كان يواظب على حضور «الموالد». 
 
السؤال الآن بعد أن رحل كاسن، هل كان سفيرًا متجاوزًا لصلاحياته ومهامه أم أنه كان يؤدى أدوارًا ربما تكون غائبة عنا.. بداية علينا الإقرار بأن سفراء أوروبيين بالقاهرة لهم أنشطة شبيهة بما كان يقوم به جون كاسن، لكن الفارق أن كاسن كان يوثق كل ما يقوم به بتغريدات على «تويتر»، لكن الآخرين لا يظهرون ما يفعلون، وقد شاهدت وسمعت من سفراء أجانب أنهم دائمًا ما يأكلون فى الحسين والأزهر، وأنهم ضيوف دائمين على شارع المعز، وبعضهم يفضل التجول فى القاهرة بموتوسيكل، نعم موتوسيكل، وآخر بدراجة، ويلتقط أطراف الحديث مع المصريين فى الشوارع، لكنهم لا يريدون إعلان ذلك، لأسباب تخص كل منهم، ولدى بعضهم تعليقات جزء منها ساخر على ما يفعله جون كاسن.
 
ما يهمنى بالطبع هو كيف ينظر سفراؤنا لحالة «جون كاسن»؟.. بالطبع لا يوجد تقييم واضح ومحدد، بل هى آراء شخصية سمعتها من هذا السفير أو ذاك، كل ينظر للأمر حسب رؤيته فقط، وأن غلفها ببعض الشعارات الجذابة والبراقة، لكن فى المجمل لا يمكن أن تسمع رأى جمعى يعبر عن موقف موحد، فهناك سفراء يبدو أنهم غاضبون من تحركات «كاسن»، ويقولون إن سلوكه غريب على الدبلوماسية البريطانية العريقة، التى لا يوجد بها هذا النوع من «دبلوماسية الشارع»، وقد يكون هذا صحيح، لكن ألم تكن الخارجية البريطانية مطلعة على ما يفعله جون كاسن، وإذا كان مخطئًا فلماذا تركته طيلة هذه الفترة يفعل ما يريد وقتما شاء، ويعلنه للعامة عبر «تويتر».
 
هناك نوعية من سفرائنا يريدون دائمًا السير على وتيرة واحدة، لذلك لا يتنازلون عن رابطة العنق، وآخرون لديهم رؤية مختلفة للعمل الدبلوماسى، ربما تكون قريبة الشبه بما كان يفعله جون كاسن، لكن فى المجمل لا يوجد خط واحد، بل هى اجتهادات شخصية، وإذا عدت مرة أخرى لجون كاسن، فمن خلال متابعتى لأدائه أستطيع القول إنه صنع لنفسه حالة خاصة، فهو محور أحاديث الجميع، صفوة وعامة، لأن الصفوة تحدثت عنه كثيرًا فجعلته مادة ثرية للنقاش بين العامة، وهو أمر يحسب لكاسن، الذى استطاع أن يفرض نفسه على موائد الحوار، والأهم من ذلك من وجهة نظرى أن كاسن ربما كان يغطى بتصرفاته هذه على أمور أخرى كان يفعلها فى الظل، ولا ننسى مطلقًا موقفه غير المفهوم من قرار بلاده بتعليق الرحلات البريطانية للقاهرة فى أعقاب سقوط الطائرة الروسية، فكثير ممن عملوا فى هذا الملف، أكدوا أن للسفير البريطانى دور فى قرار بلاده، لذلك اجتهد فى أعقاب ذلك لكى يزيل عن نفسه هذه «التهمة».
 
الحديث عن جون كاسن يطول، لكن ما يهمنى هنا أن تحاول الدبلوماسية المصرية دراسة هذه الحالة جيدًا، وكيف استطاع سفير أن يصنع لنفسه هذه الحالة، ولا أبالغ إذا قلت «الهالة» حول نفسه، ولماذا يخفق دبلوماسيونا بالخارج فى تحقيق ذلك، هل لأن الدبلوماسية بدأت تغزوها مدارس أخرى بخلاف المدرسة التقليدية العريقة التى تعد الدبلوماسية المصرية أحد مؤسسيها، ربما يكون ذلك صحيحًا.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة