فى المقال السابق تكلمت عن فيلم «الدائرة» الذى أنتج فى 2017 من إخراج جيمس بونسولدت، وبطولة إيما واتسون وتوم هانكس، عارضا للخيط الدرامى الأساسى للفيلم، بداية من نشأة الفتاة- بطلة الفيلم- وحتى تصدرها لقائمة أهم الشخصيات المؤثرة فى إحدى أهم شركات تكنولجيا التواصل الاجتماعى العملاقة، التى يرأسها «توم هانكس» مبرزا مراحل تطور هذه الموظفة الشابة التى اقترنت بخسارات عائلية وشخصية، فحينما تحمست لأن تكون أول إنسانة تنقل حياتها على الهواء مباشرة تورطت فى نشر فيديو حى لأبيها وأمها وهما يمارسان الجنس، وحينما جربت لأول مرة تجربة التتبع الحى للأشخاص بزعم مساعدة هذا التتبع فى ضبط المشتبه بهم والمجرمين، أودت بحياة صديقها الذى ترتبط به منذ الطفولة فى علاقة شبه عاطفية، وقد كانت حولت حياته إلى جحيم قبل ذلك، حينما نشرت صورة لنجفة صنعها من قرون الغزالان فوصلته تهديدات بالقتل من متطرفى الدفاع عن البيئة.
هكذا تخسر الفتاة- بطلة الفيلم- كلما صعدت فى العالم الافتراضى شيئا حقيقيا، وفى النهاية تقرر أن تذهب بمبدأ الشفافية الذى تنادى بها شركتها إلى أبعد الحدود، فتقوم بنشر أرقام ثروة صاحب الشركة وحساباته فى البنوك المختلفة والأماكن السرية التى يخبئ فيها أمواله حتى عن أقرب أقربائه، وبذلك تكون قد استخدمت نفس السلاح الذى يحارب به «توم هانكس» ضد توم هانكس.
هذا الفيلم من وجهة نظرى من أهم الأفلام التى تناولت أخطار وسائل التواصل الاجتماعى، مؤكدة أنها من أهم أسباب الانهيار الاجتماعى، فكم من مذبحة ارتكبت باسم الحرية، وكم من أزمة تسببت فيها تلك المدعوة شفافية، وكم من مجتمع انهار بسبب تلك القيم التى يتاجر بها محتكرى العالم الافتراضى وأباطرته، ولو كان هذا الفيلم أنتج فى مصر لزعم البعض أننا نحاربه لأننا نريد محاربة الفيس بوك باعتباره النافذة الكبرى للحرية، لكن من حسن الحظ أن هذا الفيلم أنتج فى أمريكا، وقام ببطولته فنانون على قدر كبير من الاحترافية، وفى الحقيقة هذه الأخطار التى جسدها الفيلم لا تبتعد أبدا عما يحدث الآن كل يوم، فقد سمح الفيس بوك بإظهار أقذر ما فينا، ووضع كل شىء بجوار كل شىء، الغث والسمين، الغالى والرخيص، الطاهر والنجس، المطيبون والملعونون، وهذا سبب كاف ليتوه العالم ويفقد اتزانه، وتغيب الحقيقة وتفقد بوصلتها.