لم تكن اللفتة غير المسبوقة من الرئيس الأفغانى "أشرف غنى" باستقبال البعثة الأزهرية فى بلاده على "مأدبة إفطار" فى القصر الجمهورى فى شهر يونيو الماضى، بالأمر المستغرب فى ظل العلاقة التاريخية الوطيدة التى تربط الأزهر الشريف بأفغانستان وشعبها، وهو ما عكسته العلاقة الوثيقة التى بين جمعت بين اثنين من أبرز رواد النهضة الإسلامية، جمال الدين الأفغانى، وتلميذه الأنجب، الإمام محمد عبده.
فقد رأى جمال الدين الأفغانى فى الأزهر مبتغاه.. واستقبله الأزهر بكل حفاوة، وقدر علمه ونبوغه، ليؤكد عمق روابط الأخوة والصداقة المتجذرة بين مصر الأزهر وأفغانستان"، ولم تنس أفغانستان فضل مصر وأبنائها فى حياة هذا العالم الكبير واحتضانها له وهو فى ريعان شبابه وقمة عطائه، وقيام علماء مصر بالتعريف به وبأعماله وكتبه وترجمتها، فإذا ذكر الأفغانى وطرحت سيرته فى أى محفل بأفغانستان وغيرها من بلدان العالم، ذكرت مصر وذكر الأزهر.
وفى الوقت الذى لا يكترث فيه معظم العالم بما تعانيه أفغانستان بسبب العمليات الإرهابية؛ حرص الأزهر على مجابهة التشدد بالفكر الوسطى المستنير وأكد دومًا على موقفه الثابت الرافض لكافة الأعمال الإرهابية فى أفغانستان، بل وكل العالم.
ولم يتوقف جهد الأزهر عند مجرد الإدانة اللفظية، بل أرسل مبعوثيه إلى أفغانستان؛ ليعايشوا التحديات على أرض الواقع، ويضم المعهد الأزهرى فى العاصمة الأفغانية "كابول" بين أركانه 830 طالبا، يدرسون اللغة العربية والعلوم الشرعية، وفقا للمناهج المعتمدة فى الأزهر الشريف، فيما يحصل الطلاب المتفوقون على منح لاستكمال دراستهم فى جامعة الأزهر.
وقد قرر الرئيس الأفغانى خلال لقائه أعضاء البعثة الأزهرية تخصيص قطعة أرض فى وسط كابول لتكون مقرا جديدا للبعثة الأزهرية، متمنيا اتساع نشاط الأزهر الشريف، ليشمل مدنا أخرى إلى جانب كابول، كما أعرب عن تقديره لجهود العلماء والفقهاء المصريين الأجلاء على مر التاريخ، داعياً إياهم إلى بذل المزيد من الجهد، لإشاعة قيم التسامح والتكافل فى أفغانستان، والتصدى بالحكمة والموعظة الحسنة لدعوات التطرف والغلو.
ويبلغ عدد المبتعثين الأزهريين إلى أفغانستان 33 إماما ومدرسا، يعمل معظمهم فى المعهد الأزهرى فى كابول، لكن دورهم لا يقتصر فقط على الجانب التعليمى، لكن يمتد ليشمل أنشطة دعوية وثقافية واجتماعية متنوعة، مثل المشاركة فى البرامج الدينية بالتليفزيون، وعقد الورش التدريبية للأئمة والطلاب الأفغان، وتوعية الحجاج الأفغان قبل سفرهم للأراضى المقدسة.
ويخصص الأزهر 75 منحة سنوية للطلاب الأفغان للدراسة فى مختلف المراحل التعليمية، ولم يرفض الإمام الأكبر أى طلب لقبول طلبة أفغان خارج المنح المخصصة لبلادهم، لإدراكه صعوبة المهمة التى تواجه خريجى الأزهر فى أفغانستان، وأن الأمر يتطلب زيادة عددهم قدر المستطاع، ويبلغ عدد الطلاب الأفغان الذين يدرسون حاليا فى الأزهر نحو خمسمائة طالب، ويشغل أحد الطلاب الأفغان، وهو الطالب "عثمان محمد جمع"، منصب رئيس برلمان الطلاب الوافدين بالأزهر.
وتشدد توجيهات فضيلة الإمام الأكبر –دوما- على ضرورة تكثيف برامج التدريب الخاصة بالأئمة الوافدين، ومن بينهم أئمة أفغانستان، وتزويدهم بالمهارات والمعارف التى تؤهلهم لمواجهة القضايا والمشكلات المعاصرة كالإرهاب والتكفير والتعايش المجتمعى، معولًا عليهم ليكونوا سفراء سلام وعوامل استقرار فى مجتمعاتهم، لتبليغ رسالة الإسلام كما أنزلها الله عز وجل لعباده بعيدًا عن الانحراف الفكرى، حاملين منهج الأزهر الذى ساهم فى الحفاظ على الاستقرار والسلام فى المجتمعات الإسلامية لقرون طويلة.
وإذا تتبعنا مواقع خريجى الأزهر الأفغان فى بلدهم نجد أن هناك من تقلد مناصب رفيعة وهامة، فقد تولى اثنان من خریجی الأزهر الشریف منصب رئاسة الجمهوریة فی أفغانستان، هما صبغة الله المجددی، وبرهان الدین ربانی، كذلك فإن محمد موسی شفیق، آخر رئیس وزراء أفغانستان فی العهد الملکى، هو أيضا من خريجى الأزهر، فيما يصعب حصر خريجى الأزهر الذين تولوا مقاعد الوزارة وسائر المناصب القیادیة فی أفغانستان.