خالد عزب يكتب: حروب الجيل الخامس

الأحد، 26 أغسطس 2018 04:00 ص
خالد عزب يكتب: حروب الجيل الخامس غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أصدر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة فى أبو ظبى دراسة مهمة تحت عنوان (حروب الجيل الخامس) للدكتور شادى عبد الوهاب، وفيها يذكر أن مصطلح حروب الجيل الخامس ظهرت كنتيجة لعدة عوامل هى:- 

 

تراجع احتكار القوة:

ترتبط بداية الجيل الخامس من الحروب بتراجع احتكار الدولة لاستخدام القوة المسلحة، وظهور عوامل فواعل مسلحة من غير الدولة قادرة على شن الحرب،  مثل التنظيمات الإرهابية و عصابات الجريمة المنظمة، وتعتمد تلك الجماعات على القيادة الكاريزمية أكثر من اعتمادها على العوامل المؤسسية، فضلا عن اعتمادها على الولايات الإيديولوجية العابرة للحدود القومية فى بعض الأحيان فلم تصبح الدولة فقط هى صاحبه قرار الحرب، بل أضحت جماعات محدودة العدد من الأفراد المتشابهين فكريا،  قادره على اتخاذ قرار خوض الحرب ولعل المثل الواضح فى هذا الإطار، قيام تنظيم داعش بالسيطرة على مساحات واسعة من سوريا والعراق وحكمها بدءا من عام 2014،  وقيام بوكر حرام فى نيجيريا باتباع الأسلوب ذاته فى العام نفسه.

 

حروب الجيل الخامس

تدخل أدوات الحرب:

تزايد الترابط بين المشكلات الاقتصادية والتهديدات الأمنية نتيجة زيادة الاعتماد المتبادل فى الاقتصاد الدولى الذى جعل من بعض القضايا الاقتصادية، مثل انقطاع أو وقف إنتاج السلع الأساسية،  مصدر تهديد الأمن الوطنى والدولى.

صعود الولاءات البديلة:

أدت العولمة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلى اتجاه بعض الأفراد لنقل ولائهم من الدولة إلى الولاء لقضايا معينة، وصار العديد منهم أكثر ارتباطًا بما تتم إثارته على شبكة الإنترنت، على حساب الاهتمام بالمشكلات الحقيقية لمجتمعاتهم، ويتمثل مصدر التهديد هنا فى أن بعضهم أصبح مستعدًا للتطرف واستخدام العنف كوسيلة للتعبير عن الرأى، حتى دون التقدير المنطقى لعواقب أفعاله.

 

كما طرأ تحول فى مضمون وطريقة إرسال المعلومات، استطاعت الجماعات الإرهابية الاستفادة منها، من خلال تنفيذ حملات إعلامية مدروسة تستخدم أنماطًا جديدة من أدوات الاتصال مثل وسائل التواصل الاجتماعى والهواتف النقالة والإنترنت، بغرض التجنيد والتدريب والاتصال والتعليم واستقطاب أعضاء جدد.
 
إن مجمل هذه التحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية يشير إلى بروز أفراد وجماعات صغيرة تزداد فاعليتهم بسبب تطور أدوات الاتصالات، ويربطهم معًا دفاعهم عن قضية معينة بدلًا من الولاء لدولتهم، ومع توظيفهم للتكنولوجيا الحديثة، فإنهم أضحوا قادرين على توليد قوة مدمرة كانت تحتاج فى السابق إلى موارد الدولة.
 
وتوصف حروب الجيل الخامس بأنها حروب الشبكات والطائرات (Nets & Jets)، فشبكات المعلومات توفر المعلومات الأساسية عن المعدات والمواد اللازمة للقيام بعمليات إرهابية أو تخريبية، كما أنها تمثل وسيلة مهمة لتجنيد المتطوعين المستقبليين، أما الطائرات فسوف توفر الوسيلة الرخيصة للسفر وتهريب الأسلحة.

تسارع التطورات التكنولوجية:

أدت التطورات التكنولوجية، خاصة فى مجالات الذكاء الاصطناعى و"التصنيع بالإضافة" (Manufacturing Additive) وتكنولوجيا النانو، إلى زيادة قدرة الفواعل المسلحة من غير الدول والأفراد العاديين على امتلاك الأدوات اللازمة لشن الحروب، وعلى الرغم من أن هذه التقنيات التكنولوجية تكون مكلفة فى بدايتها، فإنها مع مرور الوقت تصبح رخيصة، وتكون متاحة إتاحتها للاستخدامات التجارية على نطاق واسع، وهو ما يجعلها متوفرة فى إيدى عدد كبير من الأشخاص، ويتم توظيفها فى شن الحروب وإحداث قدر كبير من الدمار.

 

وعلى سبيل المثال، فإن "أنظمة التسليح المستقلة" (Autonomous Systems) قد استفادت من هذه التطورات التكنولوجية، ومن ذلك "الدرونز" والتى أصبح يتم إنتاج الملايين منها بتكلفة منخفضة، بل ويمكن للأفراد العاديين استخدمها من دون حاجة لمهارات خاصة، كما أنها لا تحتاج إلى صيانة، وإذا كان أغلب أنواع الدرونز منخفض التكلفة، ولايـزال يحتـاج إلى فـرد لتشغيله عن بعد، فإن شـركة "ثرى دى روبوتيكس" (3D Robotics) بالولايات المتحدة الأمريكية قد قامت بتطوير درونز "ذاتية القيادة"  تستخدم نظام "الطيار الآلى" من طراز "كوند" (Kunde) للاستخدام فى المجال الزراعى لتمكين المزارعين من مراقبة محاصيلهم، وهو ما ينذر بإمكانية قيام التنظيمات الإرهابية بتحميل تلك الدرونز بالمتفجرات لتنفيذ عمليات إرهابية.
 
وقد بدأت الفواعل المسلحة من دون الدول فى استخدام الدرونز مثل تنظيم "داعش"، حيث قام فى أكتوبر 2016 باستخدام طائرة من دون طيار محملة بالمتفجرات لقتل اثنين من مقاتلى البيشمركة فى شمال العراق، وجرح جنديين فرنسيين بإصابات بالغة، وقد ظنت القوات الفرنسية فى البداية أن هذه الطائرة من طائرات الاستطلاع التى يرسلها التنظيم، فتم اعتراضها وهبوطها على الأرض، وحينما حاولوا تفكيكها لفحصها انفجرت.
 

وحتى فى حالة وضع قيود على بيع مثل هذه الدرونز، فإن الطابعات ثلاثية الأبعاد، قد تلغى الحاجة إلـى شرائها من الأسـاس، ففى يناير 2015، أعلنت شـركة "فوكسـل 8" (Voxel 8) عن ابتكارها طابعة ثلاثية الأبعاد جديدة تقدر تكلفتها بحوالى 9 آلاف دولار، ويمكنها طباعة درونز بالكامل، بما فى ذلك المحرك والأجهزة الإلكترونية.

 

ملامح حروب الجيل الخامس

تعد حروب الجيل الخامس أكثر من مجرد تطور تقليدى لحروب الجيل الرابع، وأكثر تطورًا من أشكال التمرد والإرهاب، فهى حرب بلا قيود (Unrestricted warfare) تستخدم فيها الوسائل كافة لإجبار العدو على الرضوخ، ويتمثل أهمها فى تأسيس تحالفات شبكية تضم الدول والفواعل المسلحة من غير الدول تقوم على المصالح المشتركة بدلًا من الأهداف الأيديولوجية أو الوطنية، ويمكن القول إن هذا النوع الأخطر من الحروب يتسم بأربع خصائص تتمثل فى التالى:

 

انتشار المناطق الرمادية

يقصد بالمناطق الرمادية "التفاعلات التنافسية بين وداخل الفواعل،  من الدول ومن غير الدول،  والتى تقع فى منطقة وسط بين ثنائية الحرب والسلام، وتتسم بوجود غموض حول طبيعة الصراع،  والأطراف المنخرطة فيه،  فضلاً عن عدم اليقين حيال السياسة المناسبة التى يجب اتباعها.

 

وتمثل الحرب الأوكرانية فى عام 2014 أحد الامثلة على " الحرب الرمادية" إذ تم توجيه اتهامات لروسيا بقيامها بدعم الانفصاليين فى شرق أوكرانيا بالسلاح والمقاتلين،  ولكن روسيا نفت هذه الاتهامات،  وهو ما أدى لحالة غموض أعاقت الدول الغربية عن اتخاذ مواقف حازمة ضد موسكو خاصة فى بداية الأزمة.
 
ولا توجد حاجة فى الحروب الرمادية إلى تحقيق نصر سريع حاسم،  إذ يتم التركيز على العمل تدريجياً لتحقيق الهدف النهائى من الحرب، وهو هزيمة الخصم أو تفكيك الدولة،  وإن كان خلال مرحلة زمنية ممتدة.
 
ويرتبط بما سبق تلاشى الحدود بين ما يعد سلاحاً وما يعد أفعالاً،  وبين ما يشكل أرضاً للمعركة وما لا يشكل أرضاً لها،  وبين ما يعد أفعالاً إجرامية وأعمالاً حربية، وبين المقاتلين وغير المقاتلين،  وبين الدولة والكيانات ما دون الدولة.
 
فعلى مستوى التغير فى قدرات الفاعلين أثبتت التنظيمات الإرهابية قدرتها على الاستفادة من التكنولوجيا المدنية غير العسكرية، مثل الإنترنت فى شن حروب معلوماتية، واستخدام الطائرات المدنية فى شن عمليات إرهابية مثل هجمات 11 سبتمبر 2001،  وبالمثل يعتمد الفاعلون المسلحون من غير الدول على التكنولوجيا الحديثة كأسلحة ضد الدول من دون الحاجة لتمويل أبحاث لتطوير أسلحة جديدة.
 
ويرتبط ذلك بالتداخل بين ما يعد أرض معركة وما لا يعد أرض معركة، حيث أصبحت كل من البورصة ومعامل الأبحاث ووسائل الإعلام والمراكز الاقتصادية والمراكز الدينية والفضاء الإلكترونى بمنزلة ساحات معارك لا تقل أهمية عن ميادين القتال،  وجعل ذلك من المتعاملين بأسواق المال، والعلماء والصحفيين وأصحاب البنوك ومديرى الشركات ورجال الدين وأصحاب التخصصات الفنية المختلفة والأفراد بصفة عامة بمنزلة مقاتلين يمكن توظيفهم ضد الدول فى حالة استقطابهم من جانب التنظيمات الإرهابية والفاعلين المسلحين من غير الدول.
 
وأدى ما سبق إلى تلاشى الفروق بين المقاتلين والمدنيين، أو المحاربين وغير المحاربين،  بحيث أضحى المدنيون هم الأكثر تضرراً فى حروب الجيل الخامس،  فعلى سبيل المثال،  برر زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن،  استهدف المدنيين على أساس أنهم انتخبوا قادتهم وبالتالى أعطوهم الموافقة على تدمير منازل الفلسطينيين وذبح أطفال العراق،  ومن ثم فإن الشعب الأمريكى يعد مشاركاً فى كل هذه الجرائم،  ومن الواجب استهدافه وفق رؤيته.

وتتعاظم هذه المخاطر من خلال سعى القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل لاستخدامها ضد المدنيين،  ويحدث الأمر ذاته لدى استهداف الولايات المتحدة قواعد الإرهابيين بالطائرات من دون طيار فى باكستان واليمن،  على سبيل المثال،  والتى تنتج عنها خسائر من المدنيين.

 

اتباع تكتيكات (الحرب الهجينة)

يقصد بالحرب الهجينة تلك الصراعات التى تتضمن الجمع بين استخدام القوات المسلحة  التقليدية و القوات غير النظامية (مثل حركات التمرد و الجماعات الإرهابية)، والتى تشمل توظيف الفاعلين من الدول ومن غير الدول، والذين يسعون لتحقيق هدف سياسى مشترك.  

 

ولا تكون هناك حاجة إلى توجيه القوات غير النظامية يصوره مركزية،  و ذلك على الرغم من كونهم جزءا من استراتيجية متسقة تستخدم إما لمواجهة قوة احتلال أو حتى دعما لقوات نظامية فى مواجهة تنظيمات مسلحة،  كما فى حالتى العراق و سوريا،  واعتماد نظام بشار الأسد والحكومة العراقية على الميليشيات الشيعية المسلحة فى مواجهة التنظيمات المتطرفة وجماعات المعارضة المسلحة ولا تعد الحروب الهجينة نمطا جديدا من المواجهات العسكرية،  فخلال الحرب العالمية الثانية،  عانى الجيش الألمانى فى الجبهة الشرقية بسبب قيام عشرات الآلاف من الموالين للاتحاد السوفيتى والقوات غير النظامية بقطع خطوط إمداداته واتصالاته، ولم تنجح حملات القمع العنيفة التى قام بها الجيش الألمانى،  وترتب عليها قتل مئات الآلاف من الفلاحين الروس،  فى منع حدوث هذه العمليات.  
 
وأدرك ونستون تشرشل،  رئيس وزراء بريطانيا،  خلال الحرب العالمية الثانية، أهمية استخدام القوات غير النظامية فى محاربة الجيش الألمانى جنبا إلى جنب مع استخدام القوات النظامية، و لذلك أنشا فى عام 1940 وحدة جديدة (special operation executive) أسماها منقذو العمليات الخاصة.
 
وأوكل لها مهمة دعم حركات التمرد ضد الجيش الألمانى فى كافة أنحاء أوروبا،  وأمدها بالسلاح و الذخيرة،  كما قامت بتنفيذ عمليات تخريبية ضد المنشآت النازية فى أوروبا الغربية ومنطقة البلقان. 

تشكيل التحالفات الواسعة 

تضم التحالف فى حروب الجيل الخامس أطرافا متنوعة، مثل الدولة و الكيانات من دون الدولة و الكيانات العابرة للحدود القومية والشبكات والجماعات والأفراد، مثل الذئاب المنفردة التى يقوم فيها أشخاص فرادى بتنفيذ علميات إرهابية من دون الحاجة إلى الانضمام لتنظيم إرهابى ولا تلعب القوات المسلحة النظامية الدور الرئيسى فى حروب الجيل الخامس، فالفواعل المسلحة من غير الدول.  مثل الجماعات الإرهابية،  وعصابات الجريمة المنظمة، ومنظمات المعارضة المسلحة، باتت تتصدر ساحات القتال،  وهذا لا يعنى أن الدول لا تقف خلف هذه الجماعات أو تدعمها سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ولا ينفى ذلك أيضاً أن الدول قد تتدخل أحياناً بصورة مباشرة فى المناطق الصراعية إذا اقتضت الضرورة ذلك،  وإن كان التدخل يأخذ بصورة أساسية استخدام القوات الخاصة. 
 
وتشير العقيدة العسكرية الأمريكية إلى استخدام القوات الخاصة فى الحروب غير التقليدية ( Un-conventional warfare ) التى يتم خلالها استخدام طيف واسع من العمليات العسكرية وغير العسكرية والتى تتم إدارتها من خلال الوكلاء المسلحين،  والذين يتم تنظيمهم وتسليحهم وتدريبهم وتوفير الدعم لهم من الدول التى تناصرهم.
 
ويرجع صعود أدوار الفاعلين المسلحين من غير الدول فى الصراعات إلى أن الدول تجد صعوبة فى استخدام القوة المسلحة التقليدية،  نظراً للتكلفة التى ستتحملها،  كالإدانة أو فرض العقوبات الاقتصادية،  أو غيرها من الإجراءات فى حين أن الافراد والفواعل المسلحة من غير الدول،  وقد لا يتعرضون لمثل هذه التداعيات السلبية.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة