بعد هدوء مؤقت شهدته الكنيسة الأيام الماضية عقب انتهاء التحقيقات فى قضية مقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس دير أبو مقار الشهر الماضى، ظهر الأنبا سرابيون مطران الكنيسة القبطية فى لوس أنجلوس فى حوار تليفزيونى أذاعته قناة لوجوس القبطية التابعة للكنيسة رسميا - التى تبث من أمريكا - فى حلقة بعنوان "مقتل الأنبا ابيفانيوس" لتكسر حالة الهدوء وتعيد المجتمع الكنسى للجدل مرة أخرى.
ماذا قال مطران لوس أنجلوس عن البابا شنودة ومتى المسكين؟
رفض الأنبا سرابيون مطران لوس أنجلوس إرجاع أسباب قتل الأنبا ابيفانيوس للخلافات العقائدية أو ما يمكن تسميته اصطلاحًا الخلاف بين فريقى البابا شنودة والقمص متى المسكين الذين يعيشون معًا بين أسوار دير واحد.
برّأ الأنبا سرابيون البابا شنودة من أية أخطاء إدارية قد يكون ارتكبها أثناء إدارة ملف دير الأنبا مقار، وقال المطران إن الذين يشيرون إلى وجود خلاف عقيدى بين رهبان الدير يحاولون التنفيس عما فى صدورهم ضد البابا شنودة قائلًا: "لا وجود لرهبان شنوديين ومتاويين وهو أمر لا أساس له من الصحة"، لأن بعض الرهبان ليس لهم آراء لاهوتية محددة حتى إن الراهب المجرد "إشعياء المقارى" المتهم بالقتل"، قد ظهر من قبل على قناة بروستانتية وشاركهم الصلاة بوضع اليد على الهاتف وإن كان البابا شنودة حيًا لحقق معه ونال جزاءه، فتوجهات البابا شنودة معروفة فى هذا الأمر، فلماذا يوصف الراهب بالشنودى.
أنبا سرابيون
ورأى الأنبا سرابيون إن القمص متى المسكين وضع نظامًا رهبانيًا له مميزاته وله عيوبه فقد حاول إعادة الرهبنة لعصورها الأولى، ويقول: "حين كنت راهبًا فى دير الأنبا بيشوى كان يأتينا رهبانا من دير الأنبا مقار لأنهم لا يستطيعوا احتمال هذا النظام"، وهو نفس التعليق الذى ذكره البابا شنودة فى تسجيل قديم له حين سألوه عن رأيه فى دير الأنبا مقار، محذرًا من الانضمام لهذا الدير الذى يخرج رهبانًا يتلقون علاجًا نفسيًا.
سرد الأنبا سرابيون – من وجهة نظره - ما حدث عقب وفاة القمص متى المسكين، فقد حدث خللًا فى النظام الرهبانى، وطلب الأنبا ميخائيل رئيس الدير إعفائه من مهمة الإشراف عليه، فما كان من البابا شنودة إلا أن أراد الإشراف على الدير بنفسه من "محبته للدير"، وهو الأمر الذى ينفيه التاريخ والوقائع بل وتسجيلات بالفيديو لعظات البابا شنودة نفسه ينصح فيها شباب الأقباط بالبحث عن أديرة أخرى إذا ما أرادوا الرهبنة.
الأنبا سرابيون أعفى البابا شنودة تمامًا من مسئولية "رسامة الرهبان"، حيث عمل البابا على رسامة دفعتين من الرهبان أحدهما دفعة 2010 التى ينتمى لها الراهبين "إشعياء" و"فلتاؤس" المقارى المتهمين بالقتل، إذ اعتبر أن مهمة البابا هى صلاة الرسامة فقط مضيفًا: "دخول الدير هى مسئولية من أدخلوه ثم حدث انحراف فى حياة هؤلاء الرهبان متسائلا عن مدة الـ6 سنوات التى قضاها الأنبا ابيفانيوس رئيسا للدير من 2013 حتى 2018 لماذا لم يتم علاج هذه الانحرافات؟"، ثم نلقى المسئولية على من رسمه مستشهدًا بالسيد المسيح فهو ليس مسئولًا عن خطية "يهوذا"، على حد تعبير الأسقف.
يقول مطران لوس أنجلوس: "لجنة الرهبنة أدانت إشعياء المقارى فى فبراير الماضى، وأصدر البابا تواضروس قرارا بنقله من الدير لمدة ثلاث سنوات"، وأشار إلى واقعة جمع إشعياء لتوقيعات من 43 راهبا طالبوا بالإبقاء عليه بينهم، معتبرًا أن هذا الأمر دليل على وجود حزم فى الأمور لأن الكنيسة لا تدار بالالتماسات الموقعة من الرهبان، مما دفع البابا تواضروس لإصدار قرارات حاسمة ضد هذا التسيب.
وعاد مطران لوس أنجلوس مرة أخرى إلى التأكيد على وجود فريقين من الرهبان "شنوديين ومتاويين" تزييف للحقائق، مضيفًا: "أوقات الدير يترك رهبانه يصولون ويجولون خارجه دون ضبط".
أما عن قرار البابا تواضروس إيقاف الترقيات الكهنوتية بين الرهبان لمدة ثلاث سنوات، فقال الأنبا سرابيون: "علينا أن نضع نظاما يلتزم به الجميع فقد كان رهبان هذا الدير معتادين على عدم وجود كهنة بينهم إلا عدد محدود ثم كرر عبارته "البابا شنودة تنيح منذ ستة سنوات حصل فيهم إيه؟".
ماذا قال يوئيل المقارى عن إدارة البابا شنودة لدير الأنبا مقار؟
تصريحات الأنبا سرابيون التى لاقت قبولًا لدى أقطاب التيار التقليدى فى الكنيسة من تلاميذ البابا شنودة، دفعت القس يوئيل المقارى الراهب بدير أبو مقار للحديث عنها فى تسجيل صوتى تم تسريبه وتداوله بشكل مفاجئ على مواقع التواصل الاجتماعى، يفند فيها ما قاله الأنبا سرابيون وينتصر لمدرسة متى المسكين الرهبانية.
التسجيل الصوتى الذى وقعه الراهب يوئيل باسمه فى النهاية، انتشر على الإنترنت وتداوله الأقباط على مواقع التواصل الاجتماعى، قال فيه إن المشكلة ليست عقائدية ولا لاهوتية بالفعل، ثم بدأ فى تفنيد أقوال المطران والرد عليه مؤكدًا أنه وزملاءه كانوا يعيشون حياة رهبانية حقيقية مع القمص متى المسكين، فهناك من لم يحتملوا هذه الحياة فذهبوا لدير الأنبا بيشوى وهو كلام قد لا يكون فى صالح "أبونا متى"، ولكنه يعنى إننا عشنا حياة رهبانية صادقة، مضيفًا: 30 راهبا أو أكثر تركوا الدير ولكن 80 وأكثر استمروا فيه.
متى المسكين
أسرار الجلسة المغلقة التى جمعت يوئيل المقارى بقيادات الكنيسة يوم الحادث
كشف القس يوئيل المقارى، فى تسجيله عن جلسة جمعته بالآباء أساقفة الكنيسة فى نفس يوم الحادث حيث تم تكليفه بذلك وقال: "أبلغت الأساقفة أن التسيب الذى وقع فى الدير بعدما دخله البابا شنودة الثالث ويقصد زيارة البابا شنودة للدير عام 2009 وإخضاعه له"، مشددًا: "هذا التسيب هو ما تسبب فى ما حدث".
وفسر المقارى: كانت هناك مجموعة من الرهبان يرغبون فى حياة الفوضى تحت ادعاء الحرية وحتى فى حياة القمص متى، لقد سمعتها من أحدهم: فاكرين الدير هيبقى ليكم انتوا، انتوا كبرتوا فى السن وهتموتوا والدير هيبقى لينا إحنا"، معقبًا: ماذا يقصد بهذا الكلام هل سيستمر الدير لاهوتيًا أم سيعيشون حياة الفوضى، فقد كان بيننا من يعيش بهذه الروح فى الدير وينتظرون فرصة الانفلات الرهبانى وهذا ما تم لهم، القمص متى توفى، وانتظروا هذه الفرصة التى أتاحها لهم البابا شنودة حين قال لهم أشياء كثيرة من بينها "لا تستمعوا لكلام الشيوخ الكبار" ويقصد آباء الدير القدامى.
وواصل يوئيل انتقاده لتصريحات الأنبا سرابيون وقال: الأنبا سرابيون راهب وأب للرهبان ويؤسس دير ويستطيع تقييم خطورة هذه العبارات، فالبابا شنودة قال لنا "أنا جاى أخرجكم من القمقم اللى كنتم فيه"، فسألته أى قمقم تقصد يا قداسة البابا؟ مستنكرا هل الرهبنة قمقم؟، الرهبنة التى يسميها البابا تواضروس رهبنة الكفن هل هى قمقم؟، ألم يدخلها الراهب باختياره، وما جرى فى الدير ليس حرية بل خطية وكل من يعمل الخطية عبد للخطية؟ أى حرية يدعو لها؟
ونقل يوئيل قول الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس فى هذه الجلسة غير المعلنة حين وصف الأمر بالفوضى، ثم انتقل للتفسير مرة أخرى: لم يكن لدينا أى ملكيات خاصة أما اليوم فالرهبان لديهم سيارات هذا هو الخروج من القمقم، الرهبان امتنعوا عن العمل، واستباحوا الخروج والدخول من الدير دون أى قيود والمبيت عند أهلهم وربما غير أهلهم وربما حدثت أشياء سيئة أعتذر عن ذكرها، وهذا كله وقع بعدما أعطى البابا شنودة الضوء الأخضر لهذه التصرفات الحمقاء.
وأكد المقارى أن ما عاشوه مع القمص متى المسكين هو نفس ما قننه البابا تواضروس فى قراراته الـ12 لضبط الرهبنة، وهو نفس الورقة التى قدمها رهبان دير الأنبا مقار لمؤتمر الرهبنة الأول فى الكاتدرائية، وهذا ما عشناه ونتمنى أن يستمر.
أما بالنسبة لرسامة الرهبان كهنة، فقال: "سأذكر قصة يندى لها الجبين، كنا نجلس مع مجموعة من الأساقفة فى مؤتمر الرهبنة واستمعنا لما قيل عن الكهنوت ومرتبات الرهبان، فقد كانوا يتساءلون متى نرسم (نعين) الراهب قس أم قمص؟، وهو ما لم نعيشه مع القمص متى، فقد رسم (عين) عدد قليل من الرهبان كهنة لمساعدة الأب كيرلس المقارى، أما أنا فرسمت كاهنًا بعد 37 سنة رغمًا عن أنفى، وكان الكهنوت دون مرتبات فلم نحصل على مرتبات فى أيدينا، وكانت رواتبنا 150 جنيها، ولكن المال دخل ديرنا وهو أصل كل الشرور، وتسبب فى هذا الشر الجسيم وحدث ما حدث، الرهبان بحثوا عن المال وأقاموا علاقات مع الجنسين وإلخ.
يوئيل المقارى
وعن موقف الأنبا ابيفانيوس قال الراهب القس يوئيل: كان الأنبا ابيفانيوس حزينا جدا حين رأى كل ذلك، سمع قداسات فى الحصن، وتساءل ماذا سأفعل فى تلك التركة؟، هل أستطيع أن أمنعهم؟، وذهب قداس يوم الأحد الجميل الذى كان يجمع كل الرهبان، كان الأنبا ابيفانيوس رقيق جدا وبصعوبة يتخذ أى قرار ونحن لا نستحقه فمكانه فى السماء، مضيفا: هذه الجفوة الروحية وسعت للمنفلتين فرصة الحرية والانفلات والخروج من الدير وجمع الأموال وامتلاك السيارات، وتجديد القلايات والأسقف أبيفانيوس صامت ماذا سيفعل بهؤلاء الذين حصلوا على هذه الحرية من البابا السابق؟
كيف تصرف أنصار البابا شنودة تجاه تصريحات يوئيل المقارى؟
على نفس الصفحات على موقع فيس بوك التى سبق وحذر منها البابا تواضروس انتشرت تسريبات تتهم الراهب القس يوئيل المقارى، بالضلوع فى أزمة دير أخر وثيق الصلة بدير الأنبا مقار، هو دير الأنبا مكاريوس بوادى النطرون غير المعترف به كنسيا حتى اليوم، إذ كان الدير الواقع فى زمام محمية وادى الريان الطبيعية بالفيوم، ضمن أديرة عمرها وأقام بها القديس متى المسكين مع جماعته الرهبانية عام 1950، وكان من بينهم الراهب القس اليشع المقارى الذى سيحاول إعادة الحياة الرهبانية لهذا الدير مرة أخرى بعد سنوات من هجره وتحديدا عقب وفاة القمص متى المسكين.
التسريبات التى انتشرت كانت مستندات مرسلة للكاتدرائية المرقسية بالعباسية موقعة باسم "مجموعة من رهبان دير أبو مقار" بتاريخ 20 سبتمبر 2008 أى بعد عامين من وفاة القمص متى المسكين، وتتهم الراهب القس يوئيل المقارى برسامة رهبان فى دير الأنبا مكاريوس بوادى الريان، وهو أمر مخالف لقرارات المجمع المقدس.
المستندات المسربة ضمن الحرب الدائرة ضد القس يوئيل المقارى، تتهمه أيضا بالمشاركة فى إنشاء دير راهبات بوادى النطرون مع الأب إليشع، وبيت للمغتربين فى القاهرة، إلا أن ظهور هذه المستندات جاء كرد فعل لما قاله القس يوئيل عن البابا شنودة.
كيف اعتذر الراهب يوئيل المقارى عن تسجيله الصوتى؟
تقدم الأنبا سرابيون مطران لوس أنجلوس بشكوى رسمية للجنة شئون الرهبنة يتهم فيها القس يوئيل المقارى، بالنيل من البطريرك الراحل البابا شنودة الثالث، الأمر الذى دفع المقارى لنشر اعتذار خطى مكتوب يؤكد فيه أن التسجيل المسرب كانت إجابة منه لشخص ما استفسر عما ذكره الأنبا سرابيون فى حواره التليفزيونى، معتذرا عما وصفه بالإساءة غير المقصودة للبابا شنودة قائلًا: "أكن له كل احترام وتقدير لأنه أبو الكنيسة".
هل تؤمن الكنيسة القبطية بعصمة البابا من الخطأ؟
لا تؤمن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمبدأ العصمة الباباوية، الذى هو عقيدة كاثوليكية تم إقرارها فى المجمع الفاتيكانى الأول عام 18701، وتقر هذه العقيدة بأن البابا له سلطة شرعية على الكنيسة الكاثوليكية كلها، لذلك وتحت شروط محددة فهو منزه عن الخطأ من قبل الله فى مايخص قضايا تعليم الإيمان والأخلاقيات التى أرادها الله للكنيسة، المبدأ الكاثوليكى السابق كان من بين المبادئ التى رفضها القس مارتن لوثر فى ثورته الإصلاحية ضد تعاليم كنيسته والتى انتهت بالانفصال عنها وتأسيس الكنيسة الإنجيلية منذ نصف قرن.
من يقف وراء التسريبات التى ملئت الصفحات القبطية دفاعا عن البابا الراحل؟
فيما تكشف الأحداث الأخيرة أن جماعات كنسية تنشط على مواقع التواصل الاجتماعى ولها صفحات محددة ومعروفة بالاسم، تروج دون وعى لمبدأ العصمة الباباوية، فهى تساوى تفاسير وآراء وأفكار البابا شنودة بالعقيدة نفسها، ومن ثم تعتبر كل من اختلف معه مارقًا وينبغى محاكمته.
كما أن ظهور مستندات قديمة ضد الراهب يوئيل المقارى بعد أيام من انتشار تسريبه الصوتى يكشف عن منهجية الصراع الدائر فى الكنيسة، الطرف الذى سرب المستندات يهدف بلا شك للانتقام من القس يوئيل بعدما اتهم ضمنيًا البابا شنودة بالتسبب فيما وصفه بانفلات أدى لمقتل رئيس الدير، وهو ما يدعو للتساؤل عمن يسرب تلك المستندات، ومن يمتلك أرشيفًا للمؤسسة الكنسية التى عرف عنها التحفظ لسنوات طويلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة