أشاد خبراء اقتصاديون ومؤسسات مالية دولية بالسياسات النقدية التي اتخذها البنك المركزى على مدار العامين الماضيين، والتى نجحت فى تجنيب الاقتصاد المصرى الآثار السلبية للأزمات التى تشهدها الأسواق الناشئة فى الفترة الحالية، أبرزها الهزات العنيفة لاقتصادات تركيا وفنزويلا والأرجنتين.
وأكد الخبراء، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن السياسة النقدية الحكيمة للبنك المركزى نجحت فى الحد من تقلبات سوق الصرف، رغم ترك السوق حر، والحفاظ على مرونة سعر العملة، بالإضافة إلى نجاحه في الهبوط بمعدلات التضخم من 35% فى العام الماضى إلى قرب 10% يوليو الماضى، فضلا عن الوصول بمعدل الاحتياطى النقدي إلى رقم تاريخي قرابة الـ 45 مليار دولار.
البنك المركزى
وأوضح الخبراء، أن الأسواق الناشئة تشهد هزات عنيفة منذ نهاية بداية الربع الثالث من العام الحالى، حيث هوت العملة التركية بأكثر من 50% فيما انهارت العملة الفنزويلية "البوليفار" إلى أرقام تاريخية جعلت الحكومة تحذف 5 أصفار من عملتها، كما بلغ التضخم مستويات فلكية، ونفس الحال بالنسبة للأرجنتين التى رفعت الفائدة إلى 45% فى أقل من شهرين فى محاولة لإنقاذ اقتصادها.
واتخذ البنك المركزى على مدار العامين الماضيين العديد من الإجراءات فى السياسة النقدية، أبرزها تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016، وما تلاها من إجراءات إلغاء القيود على تداول النقد الأجنبى والتحويلات، واستيراد السلع بكافة أنواعها، بالإضافة إلى سياسات رفع وخفض الفائدة بحسب متطلبات السوق، وتحقيق هدف زيادة معدل الاحتياطى النقدي الذى وصل إلى نحو 45 مليار دولار.
إجراءات البنك المركزى حكيمة
يقول هيثم عادل رئيس قطاع الخزانة وأسواق المال ببنك التنمية الصناعية إن الإجراءات التى اتُخذت من قبل البنك المركزى على مدار العامين الماضيين على صعيد السياسة النقدية كانت إجراءات حكيمة وجريئة فى ذات الوقت واتسمت أيضا بالحذر.
وأضاف أن البنك المركزى نجح تدريجيا في إزالة كافة القيود التي كانت مفروضة على تعاملات النقد في سوق الصرف المصرية مع تزايد الإفصاح والشفافية والتفاعل على السوق بشكل لحظى، ما يؤكد مواكبة البنك المركزى الدائمة، وبشكل لحظى لأوضاع السوق وهو ما زاد من حالة الاطمئنان.
وأشار عادل إلى أن الاقتصاد المصرى قد لا يكون الأقوى في المنطقة أو بين الأسواق الناشئة، لكنه فى الوقت نفسه الأكثر اطمئنانا، واستقرارا، ووضوحا للمستثمر ،وهو ما تؤكده تقارير دولية كثيرة.
وقال إن الرؤية في السابق لم تكن واضحة ولا لا نعلم ماذا سيحدث فى الغد ، لكن الوضع الآن تغير، وباتت الرؤية واضحة بفضل البنك المركزى وسياساته والدعم الذي يلقاه من القيادة السياسية فى البلاد.
السوق المصرية أكثر أمانا
وقالت وكالة بلومبرج العالمية الأسبوع الماضى، إن السوق المصرية باتت واحدة من أكثر أسواق العالم أمانا، بالنسبة للمستثمرين فى سوق أدوات الدين، وهو ما يؤكد الثقة فى الإجراءات الإصلاحية التى اتخذتها مصر والبنك المركزى، بعدما عانت مصر قبل تحرير سعر الصرف من عزوف الدائنين على طلبات إقراضها.
وفى مايو الماضي رفعت وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية" تصنيف مصر الائتمانى إلى فئة "بى" من فئة "بى سالب"، كما عدلت النظرة المستقبلية للاقتصاد من إيجابية إلى مستقرة، بدعم من تحسن معدلات النمو الاقتصادى وارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى المصرى.
ويقول سوبير لال، رئيس بعثة صندوق النقد الدولى فى مصر، إن البنك المركزى استطاع بناء احتياطيات وقائية قوية من النقد الأجنبى دعمت تزايد صلابة الاقتصاد ضد الصدمات الخارجية.
وأضاف لال، أن أثر تشديد الأوضاع المالية العالمية لا يزال ضعيفا نسبيا على مصر، فى الوقت الذى تتأثر فيه كل البلدان، بما فيها الأسواق الصاعدة، وأرجع ذلك لنجاح مصر فى تعديل الأوضاع المالية ولمستوى الاحتياطيات الدولية الجيد لدى البنك المركزى.
وأوضح أن السياسية النقدية التى اتبعها البنك المركزى كانت فعالة فى المساعدة على تثبيت توقعات التضخم واحتواء الآثار الثانوية المترتبة على تحرير سعر الصرف، وإعادة هيكلة منظومة دعم الطاقة.
وأشار إلى أن سياسة المركزى، التى تأتي فى إطار السياسة الاقتصادية الكلية لمصر، جعلت الاقتصاد أكثر صلابة، الأمر الذى ظهر فى تراجع التضخم بصورة مطردة من منتصف 2017 وحتى نهاية مايو 2018.
تحسن تدفق الأموال
وقال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وأسيا الوسطي بصندوق النقد الدولى، إن الأوضاع المالية فى مصر تحسنت بشكل كبير تزامنا مع ارتفاع حجم الاحتياطى النقدى الأجنبى لدى البنك المركزى، وتحسن تدفق رؤوس الأموال، والتراجع الملموس فى معدلات التضخم.
وأشاد أزعور بالإجراءات التى اتخذها البنك المركزى المصري لتحسين السياسة النقدية ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى ووصفها بـ"الناجحة" وحققت هدف تخفيض تدريجى للتضخم، حيث تراجع خلال أقل من عام من 33% إلى قرابة 10 %.
ولفت إلى أنه فى الوقت الذى شهدت فيه الأسواق العالمية مستويات فائدة مرتفعة، نجح البنك المركزى فى تخفيض أسعار الفائدة بـ200 نقطة أو 2%، موضحا أن السياسة النقدية حاليا تركز على خفض أحجام التضخم واعتماد الأدوات الحديثة لإدارة السياسة النقدية.
وقال ديفيد ليبتون، النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولى، إن مصر ابتعدت عن مرحلة الخطر وعاد الاستقرار الاقتصادى الكلى وعادت الثقة إلى الأسواق، واستأنف النمو مساره، وتراجع التضخم، بينما يتوقع انخفاض نسبة الدين العام للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
وأشاد ليبتون بدور القيادة السياسية والحكومة والبنك المركزى فى تحقيق النجاح للبرنامج الاقتصادى، واتخاذ إجراءات جريئة أدت لتخفيف العبء وتحسين المؤشرات الاقتصادية ، مؤكدا حرص الصندوق على مواصلة التعاون مع مصر.
وأشار إلى أن مصر تقف الآن فى مفترق الطريق، لذا لابد من الاستفادة من الاستقرار الاقتصادى الكلى الذى تحقق والمضى نحو خلق فرص العمل ورفع مستويات المعيشة من خلال النمو المستدام، مؤكدا أنه رغم الصعوبة الظاهرة لذلك لكنه سيؤتى ثمار كل الجهود المبذولة.
وأكد صندوق النقد الدولى أن القطاع المصرفى مازال يتمتع بالسيولة والربحية ويمتلك رأس مال جيد ونسبة كفاية رأس المال الإجمالية تحسنت من 14% من الأصول المرجحة بالمخاطر فى ديسمبر 2016 إلى 15.2% فى ديسمبر 2017، بينما تحسنت نسبة الرافعة المالية من 4.8% إلى 6% خلال نفس الفترة، وتحسنت نسبة القروض الرديئة من 6% إلى 4.9% بسبب شطب القروض غير العاملة.
توازن ربحية البنوك
وتوقع صندوق النقد الدولى توازن ربحية البنوك بالتزامن مع انخفاض أسعار الفائدة، ولكنها ستظل كافية لاستيعاب الزيادة المحتملة فى تكاليف مخاطر الائتمان، مشيرا إلى أن معظم البنوك تحافظ على مخزونات سيولة قوية وتدير نشاط ميزانياتها العمومية للتخفيف من مخاطر أسعار الفائدة والسيولة من خلال الحيازات الضخمة للأوراق المالية الحكومية.
ويقول الخبير الاقتصادى الدكتور مصطفى بدرة، إن الاقتصاد لم يتأثر بالأزمات العنيفة التى تشهدها بعض الأسواق الناشئة مثل تركيا والأرجنتين وفنزويلا بسبب الأسس القوية للاقتصاد المصرى خاصة القطاع المصرفى.
وأضاف أن قوة الجهاز المصرفى وعمليات الإصلاح التى شهدها القطاع سواء فى العقد السابق خلال فترة تولى فاروق العقدة رئاسة البنك المركزى ،أو المرحلة الثانية من الإصلاح فى عهد محافظ البنك المركزى الحالى طارق عامر.
وأشار إلى أن المؤشرات الاقتصادية الأساسية لمصر، تبدو قوية وغير مقلقة ما يؤكد تجنب مصر التأثر العنيف بأزمات الأسواق الناشئة، وأبرز تلك المؤشرات ارتفاع الاحتياطى النقدى إلى قرابة 45 مليار دولار وهبوط التضخم من 35% إلى قرابة 10% فى سوق استهلاكى به أكثر من 100 مليون نسمة.
استقرار الجنيه عند معدلاته فى الشهور الأخيرة
وأوضح "بدرة"، أنه رغم خروج نحو 10 مليارات دولار من مصر، وفرها البنك المركزى فى صورة استردادات للأجانب فى أذون الخزانة المصرية، أو مستحقات لشركات البترول، إلا أن سوق الصرف لم يتأثر واستقر الجنيه عند معدلاته فى الشهور الأخيرة.
وأكد أن قرار تحرير سعر الصرف، وما تبعه من إجراءات في السياسة النقدية، ساهمت في زيادة الاحتياطى النقدى، ومواجهة غول التضخم ، يعد إنجازا للبنك المركزى والقائمين عليه فى ظل سياسة السوق المفتوح الحر فى مصر، حيث يسيطر القطاع الخاص على الأسعار، وأيضا رغم حالة عدم التعافى الكاملة للقطاع السياحى والاستثمار المباشر.
ونبه بدرة إلى أن الاقتصاد كان قبل 2010 على أبواب مرحلة الانطلاق بعيدا على الأسواق الناشئة إلا أن أحداث يناير 2011، وما تبعها من أزمات اقتصادية طاحنة، عطلت الاقتصاد المصرى، وإن كانت أسسه القوية ساعدت فى سرعة التعافى، مشيرا إلى أن الإجراءات الإصلاحية التى اتخذتها مصر حمت اقتصادنا من عواقب أزمات كبيرة كان يمكن أن تجعل الأوضاع سيئة، لولا التبكير بالإجراءات الإصلاحية الاقتصادية والنقدية.
وقال محمد فتحى، رئيس مجلس إدارة شركة "ماسترز" لتداول الأوراق المالية إن السياسات النقدية التى اتخذها البنك المركزى بداية من تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016 مرورا برفع الفائدة، وإزالة القيود على حركة العملة، ساعد فى انتعاش البورصة المصرية، وتحقيقها لقفزات قياسية من 12 ألف نقطة إلى أكثر من 18 ألف نقطة، كما أن تلك السياسات جنبت سوق المال المصرية الآثار السلبية العنيفة، لما تشهده الأسواق الناشئة.
سياسات البنك المركزى أنتجت احتياطى نقدى 45 مليار دولار
وأضاف، أن السياسات النقدية للبنك المركزى على مدار العامين الماضيين أنتجت احتياطى نقدى بلغ 45 مليار دولار، هو الأعلى في تاريخه مقابل 15 مليار دولار قبل عامين، كما أنتجت سوق صرف حر ومرن ومستقر وتوافر للعملة الصعبة، والقضاء على السوق السوداء لأول مرة فى تاريخ مصر، كما نتج عنها هبوط للتضخم من 35% إلى 11% بالإضافة إلى أكثر من 120 مليار دولار دخلت في الاقتصاد.
وأشار، إلى أن ملف السياسة النقدية يسير بشكل جيد ،وهناك إشادات دولية بالإجراءات المتخذة من قبل البنك المركزي، ورضا كبير من المستثمرين، لكن يبقى ملف آخر لا يقل أهمية ،وهو ملف الاستثمار المباشر الذي يحتاج مزيد من الجهد للوصول بمعدلات الاستثمار المباشر إلى المعدلات التي تتناسب مع حجم الفرص الواعدة في الاقتصاد المصري ،بعد الإجراءات الكبيرة التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي والمشروعات الكبرى التي يتبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة