الأزمة الأمريكية التركية الحالية تتخفى وراء احتجاز القس الإنجيلى أندرو برانسون، إلا أنها فى الوقت نفسه تعكس الأزمة الحقيقية لرؤية أردوغان الاقتصادية، ومحاولته إثبات أنه خليفة المسلمين، وأن هناك حربًا دينية أمريكية على الشعب التركى.
وقالت أنقرة فى تصريح له دلالة: «واشنطن تشن حربًا اقتصادية، ولا تبدى احترامًا للنظام القضائى فيما يتعلق بقضية أندرو برانسون»، ومع ذلك فقد بدأت فى سرية تامة المفاوضات بين الجانبين التركى والأمريكى، لكن الصحافة الروسية كشفت عن ذلك، ويقول إحسان أرسلان، وهو من المقربين من أردوغان، ويعد من حفظة أسراره، إنه يشترك مع دبلوماسى أمريكى سابق، هو ماثيو بريزا، الذى يعيش فى تركيا، فى إعادة ضبط عملية التفاوض بعد تهدئة خطاب أردوغان.
وأضافت الصحافة الروسية أن بعض المسؤولين الأمريكيين يشعرون بالقلق من التركيز على برانسون، لأن ذلك يعرض مستقبل المحتجزين الأمريكيين الآخرين من المسيحيين غير الإنجيليين للخطر.
ورغم أن أردوغان أعلن مرارًا أن حكومته لا يمكن أن تتدخل فى قرار القضاء التركى، الذى يحاكم القس الأمريكى بالتجسس ومساعدة جماعة الداعية فتح الله جولن، فى إشارة إلى محاولة إخراج السياسة والاقتصاد خارج ميدان المعركة وانتظار حكم القضاء، فإنه من الواضح أن هناك محاولات لإخراج أردوغان من مأزقه الخاص بضرورة الإفراج عن القس المحتجز بصدور حكم قضائى بالإفراج، ومن ثم يحفظ ماء أردوغان وينهى حرب ترامب، ولكن ترامب كان قد صرح للصحافة مؤخرًا بأنه لن يوافق على أى مطالب تركية مقابل الإفراج عن القس الأمريكى.
من جانبها، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مفاوضات أخرى بدأت الأسبوع الماضى، وأن تركيا ربطت بين الإفراج عن القس المحتجز برانسون ومواطنين أتراك محتجزين فى أمريكا بتهمة دعم الإرهاب، وغسيل أموال لصالح إيران، لكن الإدارة الأمريكية رفضت، وقال مسؤول كبير بالبيت الأبيض، كما نشرت الصحيفة: «لو كانت تركيا حليفة حقيقية للناتو، لم تكن اعتقلت برانسون»، وكان الاتفاق يتضمن إعادة محمد هاكان عطا الله، وهو مصرفى تركى مسجون بسبب العقوبات الأمريكية على إيران، إلى تركيا لقضاء عقوبته بعد أسابيع من إطلاق سراح برانسون، وبعد ذلك سيكون منتظرًا من السلطات التركية أن تطلق سراح أربعة مواطنين أمريكيين آخرين على الأقل تحتجزهم.
وبحسب الصحيفة البريطانية، لا تزال تركيا مصممة على إسقاط قضية خرق العقوبات ضد بنك «خلق»، بما فى ذلك إمكانية فرض غرامات تصل قيمتها لمليارات الدولارات. وأبلغ المسؤولون الأمريكيون أنقرة مرارًا بأنهم لا يمكنهم التدخل فى الإجراءات القانونية التى يقوم بها المحققون الفيدراليون التابعون للمنطقة الجنوبية فى نيويورك، وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس ترامب ربما يكون مستعدًا لقبول الصفقة التركية فى حالة إفراج تركيا عن القس أولًا.
جاء ذلك بعدما فشل أردوغان فى أى تحالف روسى أو أوروبى أو صينى معه فى تلك الحرب، لأن الاقتصاد التركى لا يشكل أكثر من 1٪ من الاقتصاد العالمى، وانهياره لن يشكل أى اهتزاز، وكيف أن فرنسا وألمانيا فقط من أعربتا عن تخوفاتهما من خسارة بنوكهما إذا حدث الانهيار، وكيف أن ترامب أعلن أكثر من مرة عن عدم اكتراثه من خسارة أى أطراف أخرى من الانهيار التركى.
ويستشهد الخبراء لإثبات قصة الوهم الانتهازى القطرى لاستغلال الانهيار فى العملة التركية بشراء شركات خاسرة «بتراب الفلوس»، بأن قطر أسرعت الجمعة الماضى بعقد اتفاق بقيمة 3 مليارات دولار للتبادل بالليرة والدولار، ولكن مع أزمة مريرة فى الاقتصاد التركى والتضخم الصاروخى، فالأمر لن يضيف كثيرًا، حتى أن البنك المركزى التركى صرح بأن الاتفاق الذى وقع فى الدوحة يوم الجمعة الماضى، قبل إغلاق الأسواق، يهدف إلى «تسهيل التجارة الثنائية بعملتى البلدين ودعم استقرارهما المالى»، ولم يوضح البنك إذا ما كان الاتفاق منفصلًا عن حزمة الـ15 مليار دولار التى تعهدت بها قطر خلال زيارة تميم بن حمد الأسبوع الماضى أم لا.
من المعروف أن الاقتصاد القطرى فى المقابل يشهد مشكلات مالية جراء مقاطعة من دول محورية فى الشرق الأوسط، بسبب تورط الدوحة فى دعم وتمويل الجماعات الإرهابية، والعمل على ضرب استقرار المنطقة.
واستبعد أيضًا الخبير المالى فى «آى جى ماركت»، أشرف الجرف، أن يكون للخطوات القطرية تأثير كبير على الأزمة الاقتصادية التى تعيشها تركيا، وقال لموقع «سكاى نيوز عربية»: «إن رقم 15 مليار دولار هو حوالى 10٪ من احتياطات تركيا الأجنبية، وبالنظر إلى معدل التضخم فى تركيا فلن يشكل سوى حل قصير الأجل».
وكان المكتب التركى للإحصاءات أعلن مؤخرًا أن معدل التضخم فى تركيا وصل إلى 15 بالمائة فى شهر يونيو الماضى، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2003، مما يدفع الأسعار إلى الارتفاع، ويشكل ضغطًا على المستهلكين.
وفى المقابل، وصل الدين الخارجى إلى أكثر من 411 مليار دولار بحسب إحصائية تعود لعام 2016، وهو ما يضع عبئًا ضخمًا على الاقتصاد.
هكذا فإن أردوغان بين نارين، إما أن يفرج عن القس ويخسر مكانته السياسية، أو يخسر التخفى وراء الحرب الأمريكية لكى يخفى فشل سياساته، وفى الحالتين هو خاسر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة