خالد عزب يكتب: إعادة كتابة تاريخ مصر العثمانية فى كتاب جديد

الجمعة، 03 أغسطس 2018 08:15 م
خالد عزب يكتب: إعادة كتابة تاريخ مصر العثمانية فى كتاب جديد الدكتور خالد عزب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدرت ترجمة عربية لكتاب جديد للدكتورة نللى حنا الأستاذة فى الجامعة الأمريكية، والتى اعتدنا على جرأتها وتجديدها المستمر فى الكتابات التاريخية، الكتاب عنوانه "مصر العثمانية والتحولات العالمية"، وهو من ترجمة دكتور مجدى جرجس الاستاذ فى جامعة كفر الشيخ الذى يعد مترجم قدم لنا نصاً ممتازاً.
 
 
 
الكتاب ينطلق من جهود عدد من المؤرخين على مراجعة جدية لهذه الأفكار، وأنتجوا أعمالاً مهمة غيرت فى طريقة تفكيرنا حول هذه الفترة ككل، ومن ثم بدأت تلك المسلمات القديمة تتهاوى بشكل تدريجى. وعلى سبيل المثال، تًظهر الدراسات الحديثة حول مصر العثمانية، بما فيها أعمالى، صورة مغايرة لتلك التى رسمتها الدراسات حول سلطان مستبد، وحكام مماليك فاسدين، ومجتمع غارق فى ركوده. على العكس من ذلك، ترصد هذه الدراسات الحديثة مجتمعاً مفعماً بالحيوية، مبدعاً، يتكيف مع الأزمات والإنجازات. والآن أصبح لدينا إنتاج علمى مهم حول مصر فى الفترة ما بين القرن السادس عشر والثامن عشر، كتب بالعربية، والإنجليزية والفرنسية. فمن الباحثين الأوروبيين الذين أسهموا فى هذا المجال، أندريه ريمون Andre Raymond ودراساته عن التجار والحرفيين؛ نيقولا ميشيل Nicolas Michel ودراساته عن الفلاحين والسياق الريفى: ميشيل توشيرار Michel Tuscherer حول تجارة البحر الأحمر. ومن الباحثين المصريين مجدى جرجس ودراساته عن القبط؛ وحسام عبد المعطى ودراساته حول النسيج والتجارة والإنتاج؛ وناصر إبراهيم ودراساته حول العلاقات بين المماليك إبان الحملة الفرنسية؛ وآخرين غيرهم. تخطت هذه الدراسات الكتابات السابقة عليها، والتى كانت تتحدث حول قبضة الدولة الحديدية، وبينت صورة مختلفة للمجتمع الحضرى والريفى، ونمط الاقتصاد فى كليهما. فرأينا مجتمعاً نشطاً، واقتصاداً فعلاً وعلى المستوى العلمى، غيرت هذه الدراسات من طريقة نظرنا إلى العصر العثمانى، وعلى مستوى أوسع، ترى نللى حنا الباحثون المشتغلون بتاريخ العالم فى هذا الجدال؛ ولقد حاولوا أن يكتبوا تواريخ تأخذ فى اعتبارها أيضاً، الرؤى غير الأوروبية لهذا التاريخ، ومن ثم إثراء دراسة تاريخ العالم وتعميقها. هذه الأعمال يمكن أن تساعدنا على فهم التواريخ المحلية بطريقة مختلفة (تاريخ مصر، على سبيل المثال). كان من بين هذه التوجهات، اتجاه للتعريف ببعض السمات العريضة للعصر، ولوصف عصر وحيد. ركزت مثل هذه الأعمال على الممرات البحرية العالمية التى ربطت أجزاء مختلفة من العالم، وعلى بروز سوق عالمية، وكذلك ظهور كيانات سياسية كبيرة.
 
 
 
ترى نللى حنا أن هناك قضيتان رئيسيتان حددتا ملامح علاقة الدولة العثمانية بتاريخ العالم الحديث. القضية الأولى هى التجارة. وتشير الدلائل إلى أن مصر قد تأثرت بأكثر من طريقة بالتوسع الذى شهدته التجارة العالمية. وعلى الرغم من أن مصر كانت منخرطة فى التجارة الدولية قبل هذه الفترة بكثير، وكانت تقوم بدور حيوى فى عمليات التبادل التجارى بين المشرق والمغرب، فإن القرن السادس عشر شهد تغييرات رئيسية فى هذا المجال. ففى هذا القرن كانت مصر منطوية تحت لواء الدولة العثمانية المترامية الأطراف، مما وفر لها، وشجعها على، إقامة علاقات تجارية قوية مع المراكز التجارية فى حوض البحر المتوسط، وبخاصة مع أسطنبول. وتزايد نشاط مصر التجارى فى تلك الفترة مع التوسع فى تجارة البن، والتى أصبحت بضاعة تجوب أنحاء العالم، وتدار بواسطة تجار القاهرة. كان هؤلاء التجار يمدون أجزاء عديدة فى الدولة العثمانية وأوروبا بكميات كبيرة من البن. وزاحم البن البهارات، وكاد أن يأخذ مكانتها كأغلى سلعة يتداولها التجار. ومن خلال دراسته لتجارة البن والبهارات والمنسوجات الهندية فى القرن الثامن عشر، أوضح أندريه ريمون أهمية هذا القطاع الاقتصادى والمكاسب التى كانت تُجنى من ورائه.
 
 
 
علاوة على ذلك، كان هناك توسع فى الشبكات التجارية التى أثرت بها الدولة العثمانية ككل، مصر باعتبارها جزءاً من هذه الدولة؛ حيث ارتبطت تلك الشبكات المختلفة بشبكات تجارية أوسع كانت نشطة عبر كل من المحيط الهندى والمحيط الأطلنطي. وتبين دراسة محمد بلوط Mehmet Bulut ، تك الروابط التى كانت قائمة بين الدولة العثمانية وتجارة الأطلنطى فى القرن السابع عشر وعلى إثر انتشار تجارة البن فى القرن السابع عشر، كان أول عهد أوروبا و أمريك بالقهوة، ومن ثم عرف البن القادم من اليمن عبر البحر الأحمر، مروراً بمصر، طريقه إلى كل من أوروبا وأمريكا، وانتشرت وازدهرت، على إثره المقاهى فى مدن أوروبية عديدة. فى المقابل عرف الدخان القادم من أمريكا طريقه إلى سكان الدولة العثمانية. وحاز المنتجان، البن والدخان، شهرة واسعة وازداد الطلب عليهما بشدة. من ناحية أخرى، دخل الذهب والفضة المستخرجان من مناجم وسط أمريكا وجنوبها، منظومة التجارة بين أوروبا والدولة العثمانية وآسيا. كذلك عرفت الأقمشة المصنوعة فى مصر طريقها إلى الكاريبي؛ حيث استخدمت بوصفها ملابس للعبيد، وهذا التحول من البضائع النفيسة إلى الشعبية يعد مؤشراً على التوسع التى شهدته التجارة آنذاك. كل هذه الأمور تبين التوسع الذى شهدته الشبكات التجارية التقليدية، والزيادة الكبيرة فى حجم التجارة، والذى ساعد على نموها وزيادتها الطرق البحرية، وكذلك زيادة حجم الاستهلاك.
 
 
 
القضية الثانية المرتبطة بتحديد ملامح الوضع الاقتصادى للمنطقة هى موضوع الهيمنة الأوروبية. ومن المعروف أنه لم تمكن أى قوى أوروبية من السيطرة على المنطقة آنذاك؛ ففى العالم الإسلامى كانت هناك الامبراطوريات: المغولية والصفوية والعثمانية، وعلى الجانب الآخر الغربى كانت هناك الامبراطوريات: الاسبانية، النمساوية (هايسبرج)، البريطانية، والروسية، ومع ذلك لم تتمكن من أى منهم من بسط سيطرتها على مناطق الشرق الأوسط. كانت هناك عدة مراكز قوية، تتعاون أحياناً وتتربص ببعضها بعضاً أحياناً، لذلك كان من الصعوبة بمكان أن تتمكن أى دولة أوروبية من أن تبسط سيطرتها، أو أن تسمح القوى الأخرى لدولة ما من البروز كقوة مهيمنة وحيدة. على العكس من ذلك، كانت السيطرة الاستعمارية الأوروبية على المناطق الضعيفة أو غير المستقرة سياسياً أسهل وأسرع؛ ونموذج الأمريكتين يوضح ذلك، إذ كان من السهل على القوى الأوروبية أن تسيطر على الأمريكتين فى القرن السادس عشر. والواقع أن تلك المقولة غير الواضحة المعالم التى تُسمى "الغرب وبقية العالم"، لا تفرق بين نوعين من الظروف والملابسات، الأولى هى تلك التى توافرت فى الامريكتين، حيث تمكنت القوى الأوروبية، على إثر الاكتشافات الكبرى، من أن تبسط سيطرتها على مناطق شاسعة. والثانية هى ظروف حوض البحر المتوسط، حيث لم تحدث تلك السيطرة الأوروبية، ويرجع ذلك، إلى حد كبير، إلى وجود تلك الإمبراطوريات الكبرى. وفى القرن التاسع عشر تغيرت الظروف تماماً فى ظل الاستعمار؛ حيث صار التبادل التجارى بين مستعمِر ومًستعِمر، وبهذه الطريقة تمكن المستعمرون من السيطرة أكثر على النشاط التجارى للمناطق المٌستًعمًرة، ونموذج مصر وبريطانيا فى أواخر القرن التاسع عشر خير مثل لتوضيح هذين النوعين المختلفين لشكل العلاقات. لقد أوضح روجر أوين Roger Owen، فى دراساته لاقتصاديات القطن فى مصر، كيف تمكنت بريطانيا من السيطرة على المجالين السياسى والاقتصادى لمصر، ومن ثم سارت العلاقات التجارية على هذا النمط من السيطرة، حيث إن علاقات بريطانيا التجارية بمصر كانت سبباً لتحجيم علاقات مصر التجارية، واستبعاد شركاء تجاريين آخرين لمصر. لقد كانت نسبة التبادل التجارى بين مصر وبريطانيا فى بدايات القرن التاسع عشر تشكل نسبة 10% من حجم تجارة مصر، ثم ازدادت هذه النسبة إلى 50% فى أواسط القرن التاسع عشر، وفى الوقت نفسه كان معظم إنتاج مصر من القطن يرسل إلى بريطانيا لتشغيل مصانع النسيج هناك.

 

مصر العثمانية
مصر العثمانية

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة