ربما يستنزفُك الذنب ويستهلك كل طاقاتك بل وأحلامك حينما يجعلك تقتنعُ بأنه الذنب الذى لا سبيل لتوبة بساحته، لتكونَ بذلك الهالك لا محالة ما لشىء إلا لأنك لا تعرفُ القاعدة السامية التى تقول "لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار".
ربما يبدو الأمر كبيراً بل وربما يكونُ كبيراً فعلاً لكنه ومن المؤكد ليس أكبرُ من عفو الله ورحمته، تلك المظلةُ التى أظلتك حتى وأنت فى براثن الذنب ذاته ، ذلك الحنانُ الربانى الذى لا ينضبُ والمعيةُ الإلهية التى لا تتوقف ، لتستـمعَ وأنت فى جُبِ المعصية إلى ربِكَ يقول لك كما ورد فى الحديث القدسى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول : قال الله تبارك وتعالى: "يا ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتنى بقراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشـرك بى شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي.
إن العودة إلى الله ستغيرُ ملامحك وستـمحو آثار الذنب التى علقت بكيانك ولطخت صفو نفسك، بل وستُحدِثُ تغييراً جذريا فى كيانِك يأباه الشيطانُ وحزبه، فلا تقع فيما يفوق الذنب وهو تعظيم الذنب نفسه بحيث يحجبُ عنك رؤية رحمة الله التى لا تنفد وعفوه الذى لا ينتهي.
ثم نعود إلى أولئك الذين يصنفون البشـر ومصائرهم حسب رؤيتهم الشخصية ووفق نظرة سطحية لا عمق فيها ولا استدلال، أولئك الذين يدعون أن الله لن يغفر لفلان أو لفلان مستدلين على حكمهم بظاهر الأمر لا بجوهره متناسين أن تلك المسألة إنما هى بيد الله وحده، ليكونَ السؤال المحير "كيف لكم أن تفتروا على الله؟" وهو الذى جعل بابَ المآب إليه مفتوح مهما كان الذنب ومهما عظمت الجريرة، مفتوح لكل قاصدٍ أيما كان وأينما كان، ألا تدرى أيها المفترِى على اللهِ أن اللهَ وحده هو من يحكمُ بين عبادِه، ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى "قُلْ يَا عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
خلاصة الأمر يا عزيزي، إن الذنب مهما زاد حجمه لا يكونُ أكبرُ من عفو الله ورحمته، وإن باب التوبة مفتوح ما دُمت حياً فإياك أن تبلغَ الغرغرةَ دون توبة نصوح ، ولابد أن تفطن إلى أن موعد الموت مبهم لذا كن دائماً على حذر وإياك أن تغتر بطول الأمل وإياك أن يستقطبُك التسويف فأشدُ آفاتِ المذنبين تسويفُ توبتهم وتأخيرُ عودتهم ، وكن دائما كيساً فطناً حذِراً، وإياك ثم إياك أن تحكم على أحد بما ليس لك به علم، فلربما يخفى العملُ الصالح أمام العيان كنهَ نفسٍ مظلم فى عميق السـرائر ، وعليك أن تنشغل بإصلاح عيوبك فأنت أول الطريق لمجتمع فاضلٍ خالٍ من أسقام التخاذل والتواكل ، ما لشىء إلا لأنك اللبنة التى إن صلُحت صلُح معها كلُ شىء .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة