المستقبل ليس بعيداً، الحاضر يشرحه لك فى النقاط التالية، اربط حزامك وتماسك.
كان الوطن متماسكا ورائدا وهو لا يملك بترولا يضخ المال، ولا كنوزا مدفونة فى مغارات، كان يملك عقولا مبتكرة ومبدعة قادرة على خلق محتوى أدبى وثقافى وفنى وسياسى مؤثر فى كل عقل تخطو قدم صاحبه على الأرض المتسعة من المحيط للخليج، لذا كانوا فى الشرق والغرب مصريين أكثر من أهل مصر نفسها، وجعلوا منها أم الدنيا ومدحوها وغنوا لها من الشام إلى المغرب كما لم يمدحوا ويغنوا لبلدانهم، وكان اللهجة المصرية العامية وسيلة التواصل والتفاهم الأنسب والأكثر استخداما لتقريب البعيد بين الألسنة العربية المختلفة، لذا كانت للقاهرة الريادة والسيادة تعززها أسرة مصرية قوية تقودها مجموعة من الأعراف والتقاليد التى تمثل حصنا أول لحماية الجبهة الداخلية لوطن يتعرض طول الوقت لمخططات تهاجم حدوده، سواء كانت جغرافية أو ثقافية.
الآن يبدو كل شىء فى مرحلة الخطر، القاهرة متماسكة صحيح، نجت من مخطط لهدمها وتفتيت أوصالها مثلما حدث فى العراق وسوريا، جيشها حاصر ودمر وحش الإرهاب الذى أرعب دولا أخرى، بنيتها التحتية شهدت فى السنوات الماضية تحديثا لم يحدث فى عقود ماضية، وضعها الدولى فيما يخص الوجود السياسى استعاد بريقه من جديد، ولكن شيئا فى خضم كل هذه الأحداث يتسرب، شيئا ربما كان من أهم أسلحتها هو قوتها الناعمة.
الفضائيات الخاصة بالأطفال والكارتون أصبحت إما بالإنجليزى لغة وثقافة، وإما بلهجات غير مصرية، جرعة يومية على مدار 24 ساعة من برامج وأفلام وحكايات يتشربها أولادنا حتى صاروا لا ينطقون إلا بما هو غربى وكل ما هو غير مصرى بعد أن كان الكل ينطق بكل ما هو مصرى.
حتى الوثائقيات للكبار والصغار إما بالإنجليزى لغة وطرحا ومنهجا، وإما بلهجة غير مصرية وطرحا ومنهجا، حتى صار تاريخنا موجها ووصلنا إلى نقطة أن أولادنا وكبارنا يسمعون قصص تاريخنا مفبركة وملعوب فى حوادثها وموجهة بلسان غير اللسان المصرى الذى يتلوها بلا أمانة وبالشكل الذى يخدم مصلحته.
أفلام السينما ومسلسلات الأطفال إما بالإنجليزى لغة وثقافة وتقاليد وعادات، وبعضها غير مصرى لهجة وثقافة، وأغانى الأطفال إما باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو مهرجانات شعبية أو بابا فين أو الواد بتاعى واسمه على دراعى أو نمبر وان، بشكل يتلاعب فى وعى صغارنا ويشكله وفق هوى ما وراء المحيطات أو وفق المنهج التدميرى لصناع المهرجانات.
حتى الشعر أصبح البحث عن أميره الذى كان مصريا يتم عبر مسابقة وبرنامج تليفزيونى خارج الحدود المصرية، مثله فى ذلك تلاوة القرآن الذى كان العالم كله يسمعه بصوت مشايخنا الكبار رفعت والحصرى وعبدالباسط والمنشاوى أصبح التجار والباعة فى شوارع القاهرة يسمعونه بأصوات عربية وتركية وماليزية.
تلك هى قضية الوطن القادمة، ومعركته المستقبلية بعد أن انتصر فى معركة البقاء والإرهاب، أصبح واجبا أن يبحث عن انتصار جديد وحقيقى فى معركة استعادة قوته الناعمة، قبل أن يفاجئنا جيل قادم لا يعرف أرضه ولا يعترف بمصريته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة