حرب العملات تعود من جديد.. أمريكا ترفع الفائدة على سنداتها.. والصين تضعف عملتها للسيطرة على اقتصاد العالم.. وتركيا والأرجنتين الخاسر الأكبر.. والدول الفقيرة ضحية الدولار القوى

الأحد، 05 أغسطس 2018 05:00 م
حرب العملات تعود من جديد.. أمريكا ترفع الفائدة على سنداتها.. والصين تضعف عملتها للسيطرة على اقتصاد العالم.. وتركيا والأرجنتين الخاسر الأكبر.. والدول الفقيرة ضحية الدولار القوى صورة أرشيفية
كتب محمود عسكر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تجددت بوادر حرب عملات جديدة بين عدد من الدول الكبرى، فى محاولة لكل من هذه الدول السيطرة على أكبر جزء ممكن من الاقتصاد العالمى والأسواق الاستهلاكية فيه، وكان أبرز هذه الدول هى الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

واشتد هذا التوجه نحو حرب عملات عالمية، بعدما ظهر الخلاف التجارى بين أمريكا والصين مؤخرا، خاصة بعد فرض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قيود ورسوم حمائية على الواردات الأمريكية خصوصا من الصلب الآتية فى معظمها من الصين والاتحاد الأوروبى، وهو ما دعا الصين لاتخاذ إجراءات مضادة وبدأت الحرب التجارية بالفعل بين أكبر اقتصادين فى العالم.

ومن ضمن الأسلحة التى تستعملها الصين دائما ضد أمريكا هى حرب العملات، بالعمل دائما على إضعاف عملتها أمام الدولار والعملات الدولية، حتى تستمر صناعاتها وصادراتها في غزو العالم بقوة ومنافسة نظيرتها فى أى دولة، وخصوصا أمريكا، بشكل قوى ويكاد يكون غير قابل للمنافسة، وهو ما دعا المسئولين الأمريكين إلى القول إنهم يراقبون أداء اليوان الصين عن كثب حاليا.

ولذلك فإن ما يحدث فى أسواق النقد العالمية لا يجب أن يمر مرور الكرام على جميع الاقتصاديات الناشئة، سواء كانت تري فى نفسها قريبة أو بعيدة من أزمات أسواق النقد الحالية فللأسف الرأسمالية مثل ما لها من مزايا لها أيضا مساوئ، وأبرز هذه المساوي أن يقع اقتصاديات الدول تحت تأثير قطيع المضاربين الذين يجلس أحدهم خلف الكمبيوتر ويحرك الأموال من والي البلدان بضغطة زر، ويستطيع أن يعاقب أى دولة تتقاعس عن أداء مهامها الاقتصادية، ويجعل أزمات العملات متتالية تحدث من دولة لأخرى، والمشكلة أن هذا العقاب يكون قاس جدا ويدفع كل الآمال إلى الهاوية ويدخل الدول إلى إصلاحات طبقا لنماذج العولمة وتحتاج بها لسنوات لمعالجة فزع المقرضين. 

ويقول محمد دشناوى الخبير الاقتصادي إن هناك نموذجين في العالم هما الاقتصاد الأرجنتيني والاقتصاد التركي اللذين أكدا أن التاريخ يعيد نفسه والإصلاحات نوعان، نوع مستدام يحصن البلاد لفترات كبيرة عبر تعميق وتنويع الاقتصاد ونوع آخر زائل يعتمد على انتعاش تدفق الأموال فقط وعدم تخيل عواقبها.

فالأرجنتين صاحبة الأزمات المتتالية طوال التسعينات، وكانت مشكلتها ى بداية عام 1990 هو تغيير قواعد اللعبة النقدية دوما مما أفقدها ثقة المقرضين وجاء العقاب قاس وبدأت الانهيارات تتوالي حتي جاء كافلوا وزير الاقتصاد والذي أحدث تزاوجا كبيرا بين الاقتصاد الأرجنتيني وقواعد العولمة، فقام بتثبيت القاعدة وربط البيزو- العملة المحلية للأرجنتين- بالدولار وفتح سماوات الاقتصاد وعمل على الخصخصة وإزالة القيود الحكومية.

 محمد دشناوي الخبير الاقتصادي

ونجح كافلوا نجاحا باهرا، وكانت الابن المدلل للمؤسسات العالمية والنموذج الأكثر كفاءة فى أمريكا اللاتينية، ولكن هذا النموذج ليس طبيعيا، فحدثت الأزمة الآسيوية عام 97 ، ثم انتقلت للبرازيل عام 99، وهي الغريم التقليدي للأرجنتين وسقط الريال البرازيلي لنحو 40% مما نقل كثير من المزايا فى القدرة على التصدير إلى البرازيل لتكشف حالة الأرجنتين غير الطبيعية وتدل على أن ما حدث كان استفاقة نتيجة العولمة المفرطة والتي كانت صورة زاهية محسنة وليست طبيعية، لذا جاء بعده السقوط الثاني فى 2001 -2002 وتراجعت الجدارة الائتمانية وتعالت أصوات بأن ما حدث لم يكن كاف وأن الأسواق تحتاج إلى المزيد من الإصلاحات.

وبدأت الأرجنتين الإصلاحات بعيدا عن صندوق النقد فى هذه المرة وتحسن الاقتصاد ولكنه عاود السقوط مرة أخري عام 2018 وعاد لمفاوضات الصندوق بعد 12 عاما من القطيعة وتعود مرغمة طالبة 20 مليار دولار، ولا يوجد بديل آخر للحد من انهيار البيزو الذى انخفض 20% من قيمته وفقد الاحتياطي 4.30 مليار دولار فى 5 أيام مما جعل المركزي المكسيكي مرغم على رفع الفائدة إلى 40% مرة واحدة بعدما فشل الرفع التدريجي، ليبقي التساؤل: هل يستطيع ماكرو تحويل الاقتصاد الأرجنتيني إلى اقتصاد طبيعي كما وعد أم أن السقوط الدوري الذي هو من سنن العولمة أصبح فرضا فى الاقتصاد الأرجنتيني؟

ونعود لأسباب انفجار الأزمة الحالية وهي إقرار المركزي الأرجنتيني ضريبة على غير المقيمين مما يحملوا السندات، وتزامن مع ارتفاع معدلات الفائدة على السندات الأمريكية إلى 3% لأجل 3 سنوات مما دفع حاملي السندات إلى التخارج، وهو ما سبب ضغطا على البيزو الأرجنتيني حاول المركزى التصدى له، لكنه فشل مما اضطره إلى رفع الفائدة إلى 40% لطمأنة مالكي السندات، لكن هذا حل مؤقت غير مستديم، فحجم الديون الأرجنتينية وصلت 320 مليار دولار ويمثل ذلك 57% من الناتج المحلي وهذا لن يفلح معه الحلول المؤقتة أو المسكنات.

وأضاف دشناوي أنه بالنسبة للأزمة التركية فتختلف كثيرا عن الأزمة الأرجنتينية، حيث إن الاقتصاد التركى أقوى من الاقتصاد الأرجنتيني ولدية قدرة أكبر على تحمل الصدمات لوقت أطول وهو أيضا أكثر تناغما مع الرأسمالية العالمية من الاقتصاد الأرجنتيني، ولكن هو الآن فى وضع حرج جدا ويرجع ذلك إلى اعتماد الاقتصاد التركي فى العصر الحديث على التدفقات المالية الخارجية منذ بداية الستينات وقد مر بأزمة اقتصادية منذ 1994 استمرت إلى 2001 من التخبط فى السياسات الاقتصادية والتنازع على الحكم وكذلك عدم احترام سيادة البنك المركزي، فقد حدث صراع من قبل رئيس الوزراء تاتسو تشلر 93-96 وسراج أغلوا محافظ المركزي مما اضطره للاستقالة والآن يعيد التاريخ نفسه بالفعل والأزمات تتكرر، كما هي، حيث يحدث حاليا خلاف بين الرئيس التركى أردوغان ومحافظ المركزي وانتقده أردوغان أكثر من مرة حتي عاد وأقر بسيادة المركزي وإن كنت أري أن هذا من سبيل الدعاية الانتخابية وكسب ود المثقفين ثم يعود للسيطرة على المركزي.

ولمن لا يعرف فقد انتهت حدة الأزمة الاقتصادية التركية عام 2001 على تعويم الليرة وحذف 6 أصفار وتسمية الليرة الجديدة وتولي أردوغان الحكم عام 2002 بعد عام من التعويم وعمل أردوغان على استفادة تدني الفوائد العالمية والتيسير الكمي فى بعض الاقتصاديات الكبرى وعمل على جذب المستثمرين وأزال الكثير من المعوقات الحكومية، ولكنه بالغ فى الاقتراض لتحفيز الاقتصاد فالدين كان 112 مليار دولار 2001 وارتفع أربع أضعاف ليصل 421 مليار دولار حتي 2017 ورفع الاحتياطي إلى 135 مليار من 26.50 مليار دولار عام 2001 وزادت معدلات النمو إلى 6.84% خلال 2007 ثم بدأ فى التراجع حتي استقر ما بين 3 : 3.5% وهي نسب متدنية للغاية مع اقتصاد ناشئ بخلاف المشاكل السياسية داخليا وخارجيا وعلاقات كانت متوترة مع روسيا وحرب الطماطم والغاز وانتهت بالتسليم، ثم علاقات متوترة مع أمريكا وألمانيا ودول أخري بخلاف تغيير ثوابت الحكم من رئاسة وزراء إلى رئاسي لخدمة الديكتاتور الناعم، ثم الدخول فى انتقادات سياسات البنك المركزي واعتبر هبوط الليرة مؤامرة وظاهرة مؤقتة وغل يد المركزي ووواصل التضخم ارتفاعه، والليرة تتهاوى حتى قاربت على 4.93 مقابل الدولار.

وذلك بخلاف أن الاقتصاد التركي رغم نموه الكبير إلا أنه مازال يعتمد على القطاع الإنتاجي فقط سواء فى الأجهزة الكهربائية والنسيج إلا أنه لا يعتمد على الاقتصاد المعرفي والأبحاث وخلق العلامات التجارية وهو ما يضعف استدامته وبعد نجاح أردوغان في الانتخابات الأخيرة قام بالفعل بتغير وزير المالية وتعين صهرة فى هذا المنصب وبدأت الليرة تضعف وبدأت نبرة التدخل الأردوغاني تزداد فى سياسات البنك المركزي.

 ورغم سيل التحسن النسبي فى البيانات المالية الصادرة من أنقرة بعد نجاح أردوغان بالانتخابات الأخيرة إلا أن الجانب المؤثر كان زيادة التضخم السنوى لمستوى 16% لتصل لأعلى مستوى فى 14 سنة وهنا بدأ يزداد عدم الثقة فى الليرة وجات القشة التي قسمت ظهر البعير وهي احتجاز القس الأمريكي ومطالبة ترامب بالأفراج الفوري عنه وبدء بعض الاجراءات التصعيدية من أمريكا إلا أن المقرضين كانوا أخذوا القرار بالهروب لتتهاوي الليرة وتصل لمستوي 5.09 أمام الدولار .

وتسير الأمور الآن فى اتجاه الخروج عن السيطرة ليكون مشكلة كبري لتركيا، فربما سيصل الليرة لمستوي 5.93 أمام الدولار فى الأجل القريب، خاصة وأن أردوغان يستغل الأزمة سياسيا بدلا من البحث عن الحل لإقناع الشعب التركي بأن الغرب يعادي تركيا لذا لجأ لإصدار سندات مقومة باليوان ليظهر أنه يعادى ترامب وطبعا الحل أقرب للشو الإعلامي من الحل الاقتصادي.  

وما سيضغط على الوضع أيضا هو ارتفاع الفوائد على الدولار الأمريكي واتجاه الحكومات لانهاء التيسير الكمي، لذا من الطبيعي أن تنسحب كثير من التدفقات النقدية إلى الاستثمار فى السندات الأمريكية ذات الفائدة 3% ومحتمل رفعها مرتين أخرتين خلال هذا العام ومعدل النمو يقارب 2.60% وهذا ما يمثل خطرا كبيرا على الاقتصاديات الناشئة التي تفشل فى تحقيق معدلات نمو أعلي تغري الأموال إلى التدفق لها بخلاف الاستقرار السياسي والاقتصادي هناك علي عكس تركيا التي ظاهريا بها ديمقراطية معطلة بها وبها رئيس يبطش بمعارضيه لذا هي فعليا ديكتاتورية فى أواخر عهدها وسيكون تأثير كل ما سبق أكثر على تركيا وستعاني الليرة التركية كثيرا ولن يقف رفع الفوائد عن 3% فقط فغالبا سيكون أضعاف ذلك للحد من هروب الأموال والتضخم .

أما على العموم، فكل الاقتصادات الناشئة ستتأثر كثيرا بارتفاع الدولار الأمريكي وارتفاع الفائدة على السندات الأمريكية بنسة 3% بعدما كانت قرب الصفر وانتهي التيسير الكمي فى العالم ليجفف منابع كبيرة من الأموال التي كانت تتدفق على الأسواق الناشئة، خاصة وأن الاقتصادات المتقدمة محفزة بمعدلات نمو قاربت من 2.50% وهو ما يعقد الأمر ويصعب معه جذب الأموال للاقتصادات الناشئة، ويدخلنا عصر الائتمان الغالي، لذا فإنه على جميع الدول التي تعاني من ارتفاع نسبة الدين الخارجي فوق مستوي 25% من الناتج القومي ومعدلات تضخم تفوق مستوي 7% وتعاني من تشوه فى تنوع الاقتصاد أن تحتاط بقدر كبير فهي تحت مرمي النيران الاقتصادية للعملة فالدولار الغالي مؤذي جدا للدولة الفقيرة على المستوى النقدى أو على المستوي الاقتصادي الفعلي.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة