د. محمد سعيد حسب النبى يكتب: صديقي المكتئب

الثلاثاء، 07 أغسطس 2018 04:00 م
د. محمد سعيد حسب النبى يكتب: صديقي المكتئب أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا تراه إلا مغتماً محبطاً، ولا تقطر عينه إلا يأساً مثبطاً، ولا تسمع منه إلا قنوطاً صراحاً وسخطاً بواحاً، يدمن التسويف، ولا يعرف إلا التخويف.
 
استسلمت نفسه لهواجس الجزع، ترتقب نكد العيش في ولع. ولقد اقتضت مستلزمات الصداقة أن نجلو سر هذا الاكتئاب الذي أبعده عن الناس وأبعد الناس عنه. وباستجلاء الأمر تبين أن عقله يصنع الكوارث التي يتخيل حدوثها كلما همّ بعمل ما، فتتوالى أمامه مشاهد الفشل ونظرات الشامتين به والساخرين من إخفاقه، وكأنها حلقة مفرغة من حديث نفس بالفشل، وصور شماتة وسخرية، وشعور بؤس وأسف، يعقبه عصبية وتوتر وإحجام عن العمل، حتى صارت متلازمة تحوط حياته كلها. 
 
واتفقنا على طريقة للتغيير من شأنها أن تصنع اختلافاً في حياته. وتتلخص هذه الطريقة في خلق مشاعر إيجابية بدلاً من استدعاء أخرى سلبية؛ وذلك بتغيير نبرة الصوت الداخلي التي تجعله يستشعر الشقاء والبؤس بنبرة بديلة مشجعة تغريه على العمل وتشعره بالمتعة. واتفقنا على صيغة إيجابية ترى النجاح في كل ما يقوم به من أعمال، معززة بصور مستوحاة من نجاحات سابقة ذاق حلاوتها. واندهش صديقي من أن شعور الاسترخاء والسرور بدأ يعم نفسه لتنطبع على وجهه نظرة هادئة وابتسامة هانئة. 
 
وكان لزاماً أن نؤكد على تكرار هذا الأمر في سياقات أخرى من حياته. ويكمن التحدي الحقيقي في معايشة التجربة كاملة وفي كل عمل ينوي القيام به؛ من همس داخلي، وصور مستجلبة، وخبرات نجاح محببة، وذلك في كل تفصيلة يمارسها حتى وإن بدت سهلة يسيرة.
 
وبدأت التجربة؛ تغيير نبرة الصوت، واستدعاء مشاهد النجاح، واستشعار الثقة والتفاؤل. والهدف من ذلك تعميم التحفيز الإيجابي لدى هذا الصديق ليصبح جزءاً من اللاوعي في كل مهمة يقوم بها، وفي كل جزئية من جزئيات يومه بسيطة كانت أم معقدة. ولقد كشفت التجربة عن تغير فعلي أشعر الصديق بالذهول؛ فلم يكن يتصور أن دقائق معدودة من التخيل يمكن أن تثبط سنوات من السلوك النمطي المتكرر. والقضية بسيطة للغاية؛ فتجربتنا لا تقوم على هدم نمط قديم بقدر ما تقوم على تعليم نمط جديد، والأمر يشبه من اعتاد أن يسلك طريقاً محدداً يقوده لمكان عمله، ثم اكتشف طريقاً آخر مختصراً؛ فلا يتطلب الأمر وقتاً طويلاً ليسلك الطريق الجديد وبشكل تلقائي. 
 
ولاشك أن ذلك الجزء من الذات الذي كان يحفز شعور اليأس سوف يكرر عمله، ولكن الاستجابة الرافضة والتزام التجربة الإيجابية مشفوعة بإرادة راغبة في التغيير كفيلة بإحداث النتيجة المرجوة.. وأظنها خبرة جديرة بالتجريب.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة