ما أسهل استخدام القوة الباطشة للدولة فى تنفيذ القانون، وما أسهل تطبيق مواد القانون حرفيا دون فهم أو تصرف وفق مقتضيات الواقع، هذا التوجه هو آفة الموظفين الصغار والكبار عندنا، وهو ما يعطلنا ويقيدنا ويحرمنا من مكاسب كثيرة ناتجة عن التفكير الجاد فى طبيعة المصلحة العامة، ما جوهرها وكيف نحققها دون مخالفة للقانون وفى خدمة المواطنين.
هذه المقدمة ضرورية بعد توجه محافظة مطروح إلى هدم مجموعة من الشاليهات والفلل والمبانى فى 5 قرى سياحية تقع بنطاق المحافظة، وتحديدا بمحيط مدينة الضبعة، التفسير الأول للمحافظة أن هذه المبانى مخالفة للتراخيص الصادرة لها أو أن أصحابها استبقوا التراخيص وقرروا البناء على الأراضى المخصصة لهم لحين صدور التراخيص، وأنها أى المحافظة ليس عليها أى لوم، لأنها تنفذ القانون بصرامة وحسم على الجميع دون النظر إلى فلان أو علان من المستثمرين أصحاب هذه القرى السياحية.
المستثمرون وأصحاب القرى من جانبهم يشكون مر الشكوى من تأخر صدور تراخيص البناء على الأراضى المخصصة لهم بالسنوات، مع اتهامهم بالتكاسل والتقاعس عن تنفيذ المشروعات التى تم تخصيص الأرض من أجلها، الأمر الذى يمثل تهديدا دائما بسحب الأراضى منهم، ومن هنا يلجأون لوضع الأساسات وإقامة أجزاء من المبانى أو إقامة المبانى دون تشطيبها لحين صدور التراخيص، لأن جميع الأوراق مستوفاة وسليمة.
لن أتوقف كثيرا أمام البيروقراطية التى مازالت تحكم عملية التعامل مع الاستثمار والمستثمرين، فالأمر يشرح نفسه بخصوص تأجيل صدور تراخيص البناء بالسنوات على مناطق صحراوية يرجى تنميتها وتعميرها، لأن الأصل هو إصدار التراخيص وتسهيل الإجراءات خلال أيام معدودة مادامت الأوراق مستوفاة والأثمان مسددة لخزينة الدولة، وكل ما يخالف ذلك يدخل فى دائرة الإهمال وإهدار موارد الدولة وتعطيل عملية التنمية ويرتبط ارتباطا وثيقا بالفساد الذى تواجهه الأجهزة الرقابية فى الدولة، لكننى أتوقف تحديدا أمام أسلوب معالجة مخالفات البناء فى قرى الساحل الشمالى الخمس والتساؤل حول ما إذا كان الهدم والإزالة هو الحل الأمثل ؟ وهل هو الحل الذى يعود بالنفع على الدولة والمستثمرين؟ أو هل هو الحل الذى يخدم عملية الاستثمار والتنمية فى الساحل الشمالى والمنطقة الغربية؟
فى ظنى أن الهدم والإزالة أو استعراض القوة الباطشة للدولة تحت شعار تنفيذ القانون، يكبد الدولة خسائر فادحة ولا يفيدها بشىء كما يصيب المستثمرين بخسائر كبيرة دون حل أصل المشكلة وهى تأخر صدور تراخيص البناء فى المنطقة الغربية التى نرجو أن تكون قاطرة التنمية فى مصر، فكان من الممكن أن تطبق محافظة مطروح القانون عبر تغريم المستثمرين وأصحاب القرى عشرات الملايين من الجنيهات، ثم تقنن أوضاعهم مادامت تلك القرى داخل كردون البناء، وبذلك نحفظ ممتلكات بمئات الملايين من الجنيهات وندخل خزينة الدولة مبالغ كبيرة من الغرامات، مع العمل أيضا على حل أصل المشكلة وهى بطء إصدار التراخيص.
مسؤولو وموظفو الدولة فى المرحلة الحالية لابد وأن يتحلوا بطريقة تفكير عملية ومرنة تحفظ حقوق المصريين ولا توقع الضرر بالمستثمرين أو عملية الاستثمار، فتطبيق القانون لا يعنى أبدا الهدم والإزالة والتدمير، لكنه يعنى فى المقام الأول تحقيق مصالح الناس فى عمومهم، ويجب أن نعلم أن أسواق الدول القريبة منا تقدم إغراءات هائلة للمستثمرين لإقامة مشاريعهم، فلا يجب أن نطلق نحن الرصاص على أقدامنا ونضع العقبات أمام مستثمرينا، بينما نشكو من بطء تفاعل رجال الأعمال مع خطط الدولة التنموية!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة